منظر من الدارة و يرى في أخرها الجانب الجنوبي من هضب القتاد
هذه الدارة في تكوينها الطبيعي جعلت هذا الهضب قسمين: قسماً غربياً يُسمّى "هضب الشقب" وآخر شرقياً يُسمّى"هضب القـتاد" ، وكلاالقسمين يلتحمان مع بعضهما في الجنوب ، في أرض رمليّة تتخلّـلُها جبيلات غير مرتفعة، بينها ثنايا تعبر معها العربات ذات الدفع الرباعي ، حتى الركن الجنوبي "الـد مخا" من هضب الشقب ، فهناك ثنـيّة تلا مس جانباً من الجبل ، تطل على قطعة من الآرض في غائط بين الجبال ، فيهاعدد من الآ بــار الحديثة ، وآثـار بئر مد فونة تعرف عند قدماء أهل العصر باسم "أبو رُكُب" ، وبقربها نتوءات بارزه من التربة ، يحتمل أن تكون آثـاراً لآبـار مطمورة تحت الأرض أقدم عمراً منها، وفي الشمال الغربي منها، على بعد مئة متر تقريبا هناك صفاة في مكان واطئ من الجبل ، يبجدها في الوسط لِصْبٌ مستطيل بطول الصفاة ، عرضـــه يقل قليلاً عن المترين ، وعمقه مترين تقريباً ، يحتفظ بماء المطر لبضعة شهور، ويقال أن الرياح قد دفنت أكثر من عمقه هذا بالرمل؛ لإستغناء الناس عنه، بجلب الماء بالسيارات. انظر الصورة رقم (7،8)
منظر الشقب و يرى الشيخ ناصر بن عياد واقفاً في عمقه و هو يقيس عرضه
منظر آثار بئر "أبو ركب" و يرى مرافق الرحلة عبد الله بن مريشد واقفا فوق مكان البئر بعد أن أصبحت أثراً بعد عين .
هذا اللصب أو الشقّ يعرف بـ"الشقب" وإليه يضاف القسم الغربي من هذا الهضب ، فيقال له"هضب الشقب" وعند مصبّه في الأرض يوجد على جانبه الشرقي صخرة منبسطة على الأرض ، في وسطها فوهة حُفَيْرة مملؤة بالرمل،وهذه كان الأسـتاذ: عبد الله الشايع قد نبـثها – بناء على ما حصل عليه من معلومات عنهاــ، إثـناء قيامه برحلة إلى هذا الهضب ، فتكشفت له عن "نقيرة" خلقها اللّه بالصخرة ؛ عمقها– كما يقول– متر و نصف في متر، ثم بعد حين أُعيـد فيها مانبـث منها من قبل أهل المكان فهذه "الحُفيرة" و"الشقب" و"أبوركب" كلّها مواضع متجاورة عند بعضها ، في مساحة ضيقة من الأرض ، تكاد الجبال تنطبق عليها من كل صوب ، ومنها ينحدر شِعب كثير الأشجار ، يفيض سيله نحو الغرب ، وعند خروجه من الجبال يتسع في د ماث من الأرض ،جميــل المنظر، يعرف باسم وادي الطليحي (الطلاحي)، وتحسن الإشارة الى أن الأستاذ الشايع: في بحثه القيّـم عن هذا الهضب يرى أن هذا الوادي هوشعب الحيس الذي وضع حمل بن بدر فيه حيساً ، لإطعام الجمهور الذين حضروا لمشاهدة السباق ، فحمل منذ ذلك الحين اسم شعب الحيس إلى أن جُهِلَ أمرُه ، وأن آثـار بئر" أبورُكُب" هي " القليب" التي كان يضاف لها الهضب ، فيقال" هضب القليب" وأن " النقيرة" المجاورة لها في الصخرة هي الأخرى ليست إلا " الردهـه"
التي ملئـت بالدلاء، ليكون أوّل من يكرع فيها من الخيل المتسابقه هو السابق ، مع ميله إلى الأخذ برواية الأصمعي بأن ذات الإصاد من أسماء القليب، بخلاف من يقول أنه للردهـه.
منظر شعب الحيس قديماً (الطليحي حالياً) عند خروجه من الجبال
ومن هنا أرى أن نلقي نظرة على مدلول المعنى لهذا الاسم " الإصاد"، لمعرفة إن كان موضع" أبوركب" الذي سبق وصفه يحمل من صفة ذلك الاسم و معناه مايعزز القول في أن موضع" أبوركب" هو ما كان يعرف قديماً بـ" ذات الإصاد" ، بصرف النظر عن إن كان اسماً للقليب أم للردهـه.
لفظة" الإصاد" ومعناها في لسـان العرب
...ابن سيده: الأصْدَة والأصيدة والمؤصّد صدارٌ تلبسه الجاريه فإذا أدركت ؛ درّعت ، وأنشد ابن الأعرابي لكثير:
وقد درّعوها ذات مؤصّدٍ فجُوبٍ ولما تلبس الدرعَ رِيدُهـا
وقيل: الأصدَة ثوبٌ لاكمى له تلبسه العروس والجارية الصغيرة . والأصيدة كالحظيرة يعمل : لغة في الوصيد . وأصَدَ الباب : أطبقه كأوصده إذا أغلقه ؛ ومنه قرأ أبوعمرو : إنّها عليهم مؤصده ،بالهمز، أى مطبقه 0 وأصَدَ القدر: أطبقها والاسم منها الإصاد والأصاد ، وجمعه أُصُد0 أبوعبيدة: آصدت وأوصدت إذا أطبقت ؛ الليث: الإصاد واالإصدة هما بمنزلة المطبق؛يقال: أطبق عليهم الإصاد.والأصيد:الفناء،ولوصيد أكثر، وذا الإصاد: موضع،
قال:
لُطمِنَ على ذات الإصاد وجمعكم يرون الأذى من ذلّةٍ وهوان
وكان مجرى داحس والغبراء من ذات الإصاد ، وهوموضع ، وكانت الغاية مائة غَلْوَة0 والإصاد: ردهـه بين أجبلٍ0 انتهى.
ومن هذا نفهم أن" الإصاد " بمعنى الإطباق أى: المغلق ، وكون موضع ذات الإصاد محصوراً بين أجبلٍ ، فهـو شبه مغلق ، وهذا واقع الحال لموضع آثـار بئر" أبوركب" و"الردهه" المجاورة لها، وبناءً عليه ، فهذا المكان هـو ما يعرف قديماً بـ"ذات الإصاد" .
تصورات في مـسار السباق
أورد ابن الأثير في كتابه:"الكامل: 1/346 " أن السباق انطلق من" أبلى" إلى ذات الإصاد ، وأبلى هذه سلسلة جبال سبق وصفها ، منها جبل الموقعة ، وهو الطرف الشرقي من هذه السلسلة ، يشاهد من هضب الدياحين الـى الغرب منه ، بمسافة عشرين كيلاً تقريباً ، ولأنه الموالي لهذا الهضب والمسافة بينهما بحدود مسافة المئة غلوة ، لايستبعد الأستاذ: عبد الله الشايع صحة ما جاء فيما ذكره ابن الأثير ، وفي تصوره أن الخيل انطلقت من أطراف جبل الموقعة الى ذات الإصاد " أبوركب حالياً" آتية اليه عبر شعب الحيس الآنف ذكره أى من جهة الغرب .
مع زيادة الفضل لشيخنا الشايع فيما بسطه لنا من تفاصيل كثيرة ودقبقة عن هذا الهضب ، إلا أن إجراء الخيل مع هذا المسار تعترضه- في نظرنا- معوقات قد لاتجعل منه ميداناً سمحاً لها ، منها: وادي "العرج" الكبير، ووادي" الخار"معاً، ومنها : حبل – بالحاء المهمله والباء الموحده – مستطيل بين الواديين من نوع الحرّة ، ومنها: قِرانٌ كثيرة ، يربط بعضها ببعض حزوم تقلل من سرعة الخيل المتسابقه في هذا الاتجاه .
هذه المعوقات دفعتني – قبل أن أعطي تصوري في هذا الصدد– أن أسـأل رجلاً التقيت به من سكان الهضب عن أفضل طريقاً لسباق الخيل من جبل الموقعة إلى"أبوركب"،
فقال متعجباً: الخيل تجري مع الجبال أم مع السهول ! وبإلحاح مني قال: خير من يجيبك عن هذا الموضوع محمد بن غريبان الديحاني ، فهو رجل تجاوز عمره المئة عام ، وعلى معرفة تامة في طبيعة الأرض ، فسألته: أين هو؟ فقال: في منزله في مفيض الدارة .
وقد وجدتها فرصة سانحة لمقابلة هذا الرجل، إلا أن ساعة وصولنا لمنزله ، لم يكن موجوداً فيه ، كان ذاهباً – حسبما قيل لنا- لزيارة أحد الأقارب ، وفي طريقنا راجعين عرضت أمامنا سيارة من نوع التي يستخدمها صاحب المنزل – سبق وصفها لنا– ، فاستوقفت سائقها ، فإذا به شاب صغير، وبجانبه رجل نحيل الجسم وكبير السنّ ، يظهر من ملامح وجهه أنه قد فقد بصره ، أوكاد.
ولحسن الطالع اتّضح أننا مع محمد بن غريبان الد يحاني ، وجهًا لوجه ، وكان لطيفاً ومرحاً ، وبعد أن اعتذرنا من العودة معه لمنزله ؛ لأننا كنا في عجالة من أمـرنا ، دار الحديث بيننا حول الطريق الذي يمكن أن يتصوره لسباق خيل تنطلق من أطراف جبل الموقعة الى بئر أبي ركب ، وايضاً عن هذه البئر والهضب معاً ، وكان – على كبر سنّه – يتمتع بذاكرة قوية، إلا أنه مع هذا لم يعطنا تصوراً لمسار مثل هذا السباق ، أمّا عن البئر فيقول: إنّها كانت مورداً قديماً ، أقدم من مجئ الدياحين واستقرارهـم ، في هذا الهضب وحوله من عالية نجد ، ثم أنشدني لشاعر غنّامي من عتيبة ، لم يسمه ، ذكرهذا الهضب فقال:
كَشِبْ لاًتطأه تَرَى الحَثَرَّبَهْ عَطْهْ رقاقاً متضالع ركابهْ(38)
والهضبْ لاتطأه ترى الخطَرَّبهْ تراه مدهل العداء والحِرابهْ(39)
وفي تصوري أن السباق انطلق من مكان ما من الجهة الشمالية الشرقية لجبل الموقعة عبر مفيض الدارة ، فالدارة ، ملتفاَ على ذات الإصاد :"أبوركب حالياً" من جهة الشرق ، مع إحدى ثنايا الدارة ذات الأرض الرمليّة التي تقدم وصفها ، فليس في ضواحي هذا الهضب من جهة "أبْلى" أرض أبعد إنبساطاً ولا ألين موطئاً من هذا المسار.انظر الصورة رقم(10).
(38) الحثر : كل أرض حجارتها كحجارة الحرّة يقال لها حثرة أي : وعرة المسالك .
(39) الخطرّبة :بتشديد الراء : أي المكان الذي من يسلكة من غير أهله يجازف بحياته .
هضب الدياحين أحق من غيره في هضب القليب
و الآن دعونا نقارن بين ما جاء في وصف و تحديد المتقدمين لهضب القليب و حال الواقع لهضب الدياحين ؛ لنرى مدى التطابق بينهما من عدمه و نحكم :
هضب القليب
هضب الدياحين
1- يقع بأرض الشربة من عالية نجد .
1- يقع بالجهة الغربية الجنوبية من الشربة.
2- علم أحمر فيه شعاب كثيرة .
2- علم أحمر فيه شعاب كثيرة .
3- جبال صغار .
3- القسم الغربي منه ووهو الأهم جبال صغار.
4- قسمان : أحدهما لبني سليم و الآخر لبني عامر .
4- قسمان : غربي يقال له هضب الشقب – و هو الذي في رأينا – كان لبني سليم ، و شرقي يقال له هضب القتاد و هو الذي في رأينا – كان لبني عامر–
5- القليب المضاف لها الهضب في وسطه وهي في حقوق بني سليم .
5- آثار بئر "أبو ركب" في وسط القسم الغربي وهو الذي في حقوق بني سليم .
6- ذات الإصاد بين أجبل .
6- آثار أبي ركب و بجوارها الردهة بين أجبل .
7- شعب الحيس في وسط الهضب .
7- أوصاف شعب الحيس تنطبق على وادي الطليحي (الطلاحي).
8- في الطريق إلى ذات الإصاد ثنيّة غير بعيدة عنها.
8- هناك أكثر من ثنية في الشرق و الغرب من "أبو ركب".
9- فيه دارة و يوصف بكثرة الدارات .
9- فيه دارة عملاقة وعدد من الدارات الصغيرة .
10- معدن الضبيب عن يساره .
10- عن شماله آثار تعدين تعرف باسم أم الدمار ، يحتمل أنها معدن الضبيب قديماً.
و يبقى "المضيّح" في بيت ابن مقبل :
سَلِ الدَّارَ من جنبي حبرٍ فواهب
إلى ما رأى هَضْب القليب المضّيحُ
موضع إشكال – إن صح أنه مضيح الجرير – لبعده عن هضب الدياحين ، و لكن مثل هذا الإشكال قد يزول ، إذا علمنا أن علماء المنازل قد ذكروا – بالإضافة إلى جبل المضيح هذا – موضعين كل منهما يسمى المضيح ، أحدهما : في بلاد بني محارب بن خصفة – قال ياقوت في رسم المضيح : ... ماء لمحارب بن خصفة من أرض اليمن (40). و عبارة "من أرض اليمن" في هذا النص دليل على أن مضيح بني محارب يقع في حدودهم الجنوبية،وهي هنا قريبة من هضب الدياحين .
و الآخر: ... ماء لبني البكّاء(41) ، و منازل أولئك كانت "بفلجة"(42) و ضواحيها شرقا من الدفينة ، وهي الآخرى ليست ببعيدة عن هذا الهضب ، و هذان الموضعان غير معروفين الآن ، و عليه أرى أن المضيح في هذا الشعر موضعاً كان أم معنًى هو غير المضيح على الضفة الغربية لوادي الجرير .
و مما سبق ذكره يتحقق عندي أن هضب الدياحين هو "هضب القليب قديماً" وهو المكان الذي جرى فيه السباق بين داحس والغبراء، و الله الهادي إلى سواء السبيل .
بحث و تحقيق
عطا الله ضيف الله الرشيدي
(ابن حنيـّة)
(40) معجم البلدان : 5/146
(41) معجم ما أستعجم : 2/1234
(42) المناسك : 598