كان النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عسكريًا فريدًا من الطراز الأول، فارسًا نبيلًا رحيمًا لا عن ضعف، وفي كتابه "عبقرية محمد" يرد عباس محمود العقاد عن بعض الشبهات التي رددها المستشرقون ضد دعوة الإسلام قائلين بأنه انتشر بحد السيف، فرغم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم كان يحسن فنون الحرب إلا أن نفسه لم تكن تواقة للعدوان، ولم يكن تجنبه للهجوم عجزًا منه أو خوف، وإنما لنظرته للحرب على أنها إحدى الضرورات البغيضة التي يلجأ إليها حينما لا تكون ثمة حيلة للاجتناب.
يستعرض العقاد عدداً من الحقائق المنطقية ردًا على القول بأن الإسلام دين للقتال لأن الرأي قد يصدق إن استخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه القتال ببداية عهد الدعوة، وقد تعرض مئات المهتدين الجدد للإسلام في تلك الحقبة لسيوف المشركين وصنوف التعذيب المختلفة رجالًا ونساءًا، شيوخًا وشباباً، ومع ذلك لم نسمع عن إيذائهم للمشركين وما استطاعوا فعله هو الهروب بإسلامهم هاجرين ديارهم وأموالهم بمكة.
إذن صبر المسلمون على المشركين حتى أمروا أن يقاتلوهم كافة كما يقاتلون المسلمين كافة، وكانت حروب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كلها دفاع، ولم تكن منها حرب هجوم إلا على سبيل المبادرة بالدفاع بعد الإيقان من نكث العهد والإصرار على القتال وتستوي في ذلك حروبه مع قريش ومع اليهود أو مع الروم.
ففى غزوة تبوك عاد الجيش الإسلامي أدراجه بعد أن أيقن بانصراف الروم عن القتال تلك السنة، وكان قد سرى إلى النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم نبأ أنهم يعبئون جيوشهم على حدود البلاد العربية فلما عدلوا عدل الجيش الإسلامي عن الغزوة على فرط ما تكلف من الجهد والمشقة.
مقارنة بنابليون
اختار العقاد أبرع القادة المحدثين وهو القائد نابليون بونابرت ليقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سبقه في أبرع تكتيكاته العسكرية ومن أشهرها الخطة المعتمدة على اختيار الموقع الملائم والفرصة ومعاجلة العدو قبل تمام استعداده، وبالفعل فعلها النبي صلوات الله عليه وعلى آله والذي لم يمهل أعدائه الفرصة لمهاجمته إذا علم بعزمهم على ذلك وهذا ما روي عنه في غزوة تبوك.
وكان نابليون يقول أن نسبة القوة المعنوية إلى الكثرة العددية كنسبة ثلاثة إلى واحد .. والنبى صلَّى الله عليه وآله وسلم كان عظيم الاعتماد على هذه القوة المعنوية التي هي في الحقيقة قوة الإيمان.
نابليون كان لا يغفل عن القضاء على قوة الأعداء المالية أو التجارية فكان يحارب الإنجليز بمنع تجارتهم وسفنهم أن تصل للقارة الأوروبية، والنبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله سبقه في هذا التكتبك فحارب قريشاً في تجارتها وبعث السرايا في أثر القوافل.
نابليون كان يقدر آراء مجلس الحرب في خططه الحربية، وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم على رجاحة رأيه استشار أصحابه في كل موقف؛ فقد عمل بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق، ومن جهة مهارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستطلاع فقد عرف في غزوة بدر عدد جيش المشركين من مقدار الطعام الذي يحتاجون إليه.