حكم وأمثال في شعر المتنبي
لا تَعــذُل المُشــتاقَ فــي أَشـواقِهِ ----حــتّى يَكُـونَ حَشـاكَ فـي أَحشائة
* * *
وقــد فــارَقَ النـاسَ الأَحِبَّـةُ قَبلَنـا ----وأَعيــا دواءُ المَــوت كُـلَّ طَبِيـب
* * *
ومـن تكُـنِ الأُسْـدُ الضَّـوارِي جُدودَهُ ----يَكُـنْ لَيلُـهُ صُبحـاً ومَطعَمُـهُ غَصْبـا
ولَســتُ أُبـالي بَعْـدَ إِدراكِـيَ العُـلَى ----أَكــانَ تُراثـاً مـا تَنـاوَلتُ أم كَسْـبا
فحُــبُّ الجَبــانِ النَفْسَ أَورَدَهُ البَقــا---- وحُـبُّ الشُـجاعِ الحَـرْبَ أَورَدَهُ الحَرْبا
ويَخــتَلِفُ الرِزْقــانِ والفِعـلُ واحِـدٌ ----إلـى أَنْ تَـرَى إِحسـانَ هـذا لِـذا ذَنْبا
* * *
لَيـتَ الحَـوادِثَ بـاعَتْنِي الَّـذي أَخَذَتْ---- مِنّـي بحـلْمي الَّـذِي أَعْطَـتْ وتَجريبي
فَمــا الحَداثــةُ مــن حِـلْمٍ بِمانِعـةٍ ----قـد يُوجَـدُ الحِـلْمُ فـي الشُبَّانِ والشِيبِ
* * *
وكُـلُّ امـرِىءٍ يُـولي الجَـمِيلَ مُحببٌ---- وكُــل مَكــانٍ يُنبِـتُ العِـزَّ طَيـبُ
* * *
وأَظلَـم أَهـل الظُلْـمِ مَـن بـاتَ حاسدًا---- لِمَــن بــات فــي نَعمائِـهِ يَتَقَلـبُ
* * *
وللســرِّ مِنّــي مَــوضِعٌ لا يَنالُـهُ ----نَــدِيمٌ وَلا يُفضِــي إليــهِ شَـرابُ
أَعَـزُّ مَكـانٍ فـي الـدُنَى سَـرجُ سابِحٍ ----وخَــيرُ جَـليسٍ فـي الزَمـانِ كتـابُ
وَمـا أَنـا بِالبـاغي عـلى الحُبّ رِشوةً---- ضَعِيـفُ هَـوًى يُبغـى عليـهِ ثَـوابُ
إذا نلــتُ منـكَ الـود فالمـال هَيـن ----وكُــل الَـذي فَـوَقَ الـتُرابِ تـرابُ
* * *
ومَـــن جَـــهِلَت نَفســهُ قَــدرَهُ---- رَأًى غَــيرُهُ مِنــهُ مــا لا يَــرَى
* * *
نَحــنُ بنُــو المــوَتَى فَمـا بالُنـا---- نَعــافُ مــا لابُــدَّ مــن شُـربِهِ
* * *
لــو فكَّــرَ العاشِــقُ فـي مُنتَهـى---- حســنِ الَّــذي يَســبِيهِ لـم يَسْـبهِ
* * *
عِشْ عَزيــزاً أَو مُـت وَأَنـتَ كَـريم---- بيــن طَعــنِ القَنـا وخـفْقِ البنـود
فَــاطْلُبِ العِـزَّ فـي لظَـى وَدَعِ الـذُّ لَّ---- وَلَــو كــانَ فـي جِنـانِ الخـلُودِ
يقتــل العـاجِزُ الجبَـانُ وقَـد يَـعـ جــزُ---- عَــن قَطْـعِ بُخْـنُقِ المولـودِ
لا بِقَـومي شَـرفْتُ بـل شَـرفوا بـي ----وبنفْســـي فَخَــرت لا بِجُــدودي
* * *
وَمــا مــاضي الشــبابِ بمسـتَردٍّ---- وَلا يَــــوم يمُـــر بمســـتعادِ
متـى مـا ازددتُ مـن بَعـدِ التنـاهي---- فقــد وَقَـعَ انتِقـاصي فـي ازْدِيـادي
* * *
وَمِـن نَكَـدِ الدنيـا عـلى الحُرِّ أَن يَرَى----- عَــدُوًّا لــهُ مـا مـن صَداقَتِـه بُـدُّ
إِذا غَــدَرَتْ حَسْـناء وفَّـتْ بِعَهْدِهـا ----فَمِـنْ عَهْدِهـا أَنْ لا يَـدُومَ لَهـا عَهْـدُ
وإنْ عَشِــقَتْ كــانَتْ أَشَـدَّ صَبابَـةً---- وإِنْ فَـرِكَتْ فـاذْهبْ فمـا فِرْكُهـا قَصْدُ
وإِنْ حَـقَدَتْ لـم يبْـقَ فـي قَلْبِها رِضًى -----وإِنْ رَضِيَـتْ لـم يبْـق فـي قلبِها حِقدُ
كَــذلِكَ أَخْــلاقُ النِّســاءِ ورُبَّمــا يَضِـلُّ---- بهـا الهـادِي ويخْـفَى بِها الرُّشدُ
* * *
وحـيدٌ مِـنَ الخُـلانِ فـي كُـلِّ بَلـدةٍ ----إِذا عَظُــمَ المَطلــوبُ قَـلَّ المُسـاعِدُ
ولكــنْ إِذا لــم يَحـمِلِ القَلـبُ كَفَّـهُ ----عـلى حالـةٍ لـم يَحِـملِ الكَـفَّ ساعِدُ
* * *
بِـذا قَضَـتِ الأَيَّـامُ مـا بيـنَ أَهلِهـا -----مَصــائِبُ قَــومٍ عِنْـدَ قَـومٍ فَوائِد
وكُـلٌّ يَـرَى طُـرْقَ الشَـجاعةِ والنَدَى----- ولكِـــنَّ طَبْــعَ النَفسِ للنَفسِ قــائد
* * *
ومَـن يَجـعَلِ الضِرغـامَ للصَيـدِ بازَه ----تَصَيَّــدَهُ الضِرغــامُ فيمــا تَصَيَّـدا
ومــا قَتـلَ الأَحـرارَ كـالعَفوِ عَنهُـمُ ----ومَـن لَـكَ بِـالحُرِّ الَّـذي يَحـفَظُ اليَدا
إذا أنــت أَكــرَمتَ الكَـريمَ مَلَكتَـهُ---- وإِن أَنــتَ أكــرَمتَ اللَّئِـيمَ تمَـرَّدا
ووضْـعُ النَدى في مَوضعِ السَيف بِالعُلَى----مُضِـرٌّ كوَضعِ السَّيفِ في مَوضِعِ النَدَى
* * *
وَقَنِعـــتُ باللُّقيـــا وأَوَّلِ نظــرَةٍ -----إن القَليــلَ مِــنَ الحَــبيبِ كَثـيرُ
* * *
إِذا الفَضْـلُ لـم يَرْفَعكَ عَن شُكْرِ ناقصٍ---- عـلى هِبَـةٍ فـالفَضْلُ فيمَـنْ لهُ الشُّكرُ
ومَـنْ يُنْفِـق السَّـاعاتِ فـي جَمْعِ مالِهِ----- مَخافَــةَ فَقْــر فـالَّذي فَعَـلَ الفَقْـرُ
وإِنِّـي رأَيـتُ الضُّـرَّ أحسَـنَ مَنْظَـرًا---- وأَهْـوَنَ مِـن مَـرْأَى صَغـيرٍ بِـهِ كبر
* * *
مَـن كـان فـوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعُهُ ----فَلَيسَ يرفَعُــهُ شَــيءٌ ولا يضع
* * *
وَمـا الحُسـنُ فـي وَجـهِ الفَتَى شَرَفاً لَهُ----- إِذا لــم يَكُـنْ فـي فِعلِـهِ والخَـلائِقِ
* * *
إِذا قيــلَ رِفقًـا قـالَ للِحـلمِ مَـوضِعٌ -----وَحِـلمُ الفَتـى فـي غَـيرِ مَوضِعِهِ جَهْلُ
* * *
إِنَعَـــم ولَــذَّ فللأُمــورٍ أواخِــرٌ -----أَبَـــدًا إِذا كــانَتْ لَهُــنّ أَوائَــلُ
مـا دُمـتَ مـن أَرَبِ الحسـانِ فإِنّمـا ---رَوق الشــبابِ عَلَيــكَ ظِـلٌّ زائِـلُ
للهـــوِ آوِنَـــة تمُـــرُّ كأَنهــا -----قُبَــلٌ يزَودهــا حَــبِيبٌ راحِــلُ
جَــمَح الزّمــانُ فـلا لَذيـذٌ خـالِصٌ ----مِمــا يَشــوبُ ولا ســرُورٌ كـاملُ
* * *
إذا مــا تَــأمَّلتَ الزَمــانَ وصَرفَـهُ---- تَيَقَّنْـتَ أَنَّ المَـوتَ ضَـربٌ مِـنَ القَتلِ
* * *
خـذ مـا تَـراه ودَع شَـيئاً سـمِعتَ بهِ ---فـي طَلعـة البـدرِ مـا يُغنِيكَ عن زُحَلِ
* * *
وليسَ يَصِــحُّ فــي الأَفهـام شَـيءٌ ---إذا احتــاج النَهــارُ إلــى دَلِيــلِ
* * *
يهــونُ علَينـا أن تُصـابَ جسُـومُنا ----وتســلمَ أَعــراضٌ لَنــا وعُقــولُ
* * *
وأَتعَــبُ مَـن نـاداكَ مَـن لا تُجيبُـهُ ---وأَغَيـظُ مَـن عـاداكَ مَـن لا تُشـاكل
* * *
لــولا المشــقةُ سـادَ النـاسُ كُـلَهم -----الجـــودُ يُفقِــر والإقــدامُ قَتَّــالُ
* * *
كَدعـواك كُـل يَـدَعي صِحـةَ العَقـلِ---- ومَـن ذا الـذي يَـدري بِما فيهِ مِن جَهل
ذَرِينـي أَنِـلْ مـا لا يُنـال مِـنَ العُلى--- فصَعـبُ العُـلَى فـي الصَّعْـبِ والسَّهْلُ
تُريــدين لُقْيــانَ المَعـالي رَخيصـة ---ولا بُـدَّ دُون الشّـهدِ مِـن إبَـرِ النَحـل
* * *
تَلَــذُّ لَــهُ المُــروءةُ وَهْـيَ تُـؤْذي ----ومَــنْ يَعْشَــقْ يَلَــذُّ لَــهُ الغَـرامُ
كُــلُّ حِــلمٍ أتــى بِغَــير اقتِـدارٍ--- حُجَّـــةٌ لاجِــىءٌ إليهــا اللِّئــامُ
مَــن يَهُــن يَسـهُلِ الهَـوانُ عَلَيـهِ--- مـــا لُجِـــرْحٍ بِمَيِّــتٍ إِيــلامُ
* * *
إِذا غــامَرْتَ فــي شَــرَفٍ مَـرُومِ---- فَـــلا تَقْنَــعْ بِمــا دُونَ النُّجــومِ
فطَعْــمُ المَــوتِ فـي أَمـرٍ حَـقِيرٍ--- كــطَعْمِ المَــوتِ فـي أَمـرٍ عَظِيـمِ
* * *
يَــرَى الجُبَنــاءُ أَن العجـز عَقـلٌ----- وتلـــكَ خديعــةُ الطّبــع اللئــيمِ
وكُــلُّ شَــجاعةٍ فـي المَـرء تُغنِـي---- ولا مِثــلَ الشّــجاعة فــي الحَـكِيمِ
وكــم مــن عـائِبٍ قَـولاً صَحيحًـا----- وآفَتـــهُ مِـــنَ الفَهــمِ السّــقِيمِ
ولكِــــنْ تَـــأخذُ الآذان منـــهُ ----عــلى قَــدَرِ القَــرائِحِ والعُلُــومِ
* * *
وإذا كـــانتِ النُفـــوسُ كِبـــاراً -----تَعِبَــتْ فــي مُرادِهــا الأَجســامُ
* * *
ومــا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ ---إِذا اســتَوَتْ عِنـدَهُ الأَنـوارُ والظُلَـمُ
* * *
إِذا رَأيــتَ نُيُــوبَ اللّيــثِ بـارِزَةً---- فَــلا تَظُنَّــنَ أَنَّ اللَيــثَ يَبْتَسِــمُ
* * *
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ--- وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ
وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها ---وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ
* * *
ومـا تَنفَـعُ الخَـيلُ الكِـرامُ وَلا القَنـا ----إِذا لــم يَكُــنْ فَـوقَ الكِـرامِ كِـرامُ
* * *
اَلــرَأْيُ قَبــلَ شَــجَاعَةِ الشُـجعانِ--- هُــوَ أَوَّلٌ وَهِــيَ المَحَــلُّ الثـاني
فــإِذا هُمــا اجتَمَعــا لِنَفسٍ حُــرَّةٍ ---بَلَغــتْ مــنَ العَليــاءِكُلَّ مَكــانِ
ولَرُبَّمــا طَعَــنَ الفَتَــى أَقرانَــهُ---- بِــالرَأْيِ قَبْــلَ تَطــاعُنِ الأَقـرانِ
لَــولا العُقـولُ لَكـانَ أَدنَـى ضَيغَـمٍ--- أدْنَــى إلــى شَـرفٍ مـنَ الإنْسـانِ
* * *
وإِذا لَــم يَكُــن مِــنَ المَـوتِ بُـدُّ ---فمِــنَ العَجــزِ أَنْ تَكُــونَ جَبَانــا
* * *
كَـفَى بِـكَ داءً أن تَـرى المَـوتَ شافِيَا---- وحَسْــبُ المَنايــا أنْ يَكــنَّ أمانِيـا
فَمـا يَنفَـعُ الأُسْـدَ الحَيـاءُمنَ الطَـوى---- وَلا تُتقَــى حَــتَّى تَكُـونَ ضَوارِيـا
إِذا الجُـودُ لـم يُرزَقْ خَلاصًا منَ الأذَى---- فَـلا الحَـمدُ مَكسُـوباً وَلا المـالُ باقِيـا
وللنَّفْسِ أخــلاقٌ تَــدُلَّ عـلى الفَتَـى ------أكــانَ سَـخاءً مـا أتـى أم تَسـاخِيا