الإخوان في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود
(1328 ـ 1349هـ) = (1910 ـ 1930م)
تمهيد
شغلت حركة الإخوان المؤرخين والمحللين السياسيين، داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها، مدى عقدين من الزمن؛ كما كان للحكومة البريطانية والشريف حسين، كذلك، رؤية خاصة لهذه الحركة وأبعادها السياسية. وقد تناقضت الآراء في الحكم عليها وعلى ما حققته، وهل كان أفضل للملك عبدالعزيز إعداد هذه القوة، التي أفادته عسكرياً، وإن سببت له متاعب سياسية، أو أن الاستغناء عنها كان الأفضل؟ وعلى كل، فإن حركة الإخوان، بما لها وما عليها، تُعدّ جزءاً من تاريخ الملك عبدالعزيز آل سعود، وتأسيس المملكة العربية السعودية.
وقد عرِفت شبه الجزيرة العربية، على مدى عقدين من الزمان، حركة الإخوان، ظاهرة دينية وقوة سياسية عسكرية، كان لها دلالتها وخطرها. وقد وصفها الملك عبدالعزيز، بقوله: "إن حركة الإخوان، هي أنقى حركة دينية معاصرة". ولا شك أن الملك عبدالعزيز، استعان بهذه القوة الدينية العسكرية في حروبه لتوطيد حكمه، وتوحيد قبائل شبه الجزيرة، وبسط الأمن على أرجائها. فأدت الحركة دورها بكفاءة وصدق وإخلاص. ولكن، عندما عجزت حركة الإخوان عن استيعاب متغيرات العصر، ومتطلبات المرحلة الجديدة، التي من أهمها استعانة الملك عبدالعزيز بوسائل الحضارة الحديثة، والاستفادة من تقنيتها، حدث الصِّدام بين الحركة والملك عبدالعزيز، مما أدى إلى المواجهة الحربية، وإلى هزيمة الإخوان، والقضاء على حركتهم، في معركة السّبَلَة، في 19 شوال 1347هـ الموافق 30 مارس 1929م.
---------------------------
الخلاف بين الإخوان والملك عبدالعزيز
1. بداية الخلاف
على الرغم من بسالة الإخوان وشجاعتهم وصبرهم، إلاّ أنهم أورثوا الدولة مُشْكلاً مُعقّداً كاد يُفسد المشروع الإصلاحي العظيم. فقد طغى الإخوان وتجبروا، وأخذوا يحاربون من لم يتحضر من البدو فيكفِّرون، وينهبون، ويقتلون. "أنت يا بدوي مشرك، والمشرك حلال الدم والمال. أنت يا أبا العقال من الكفار، أنا أخو من طاع (أطاع) الله، وأنت أخو من طاع (أطاع) الشيطان".
كما أصبح كل "أخٍ" متعصب بالعصابة البيضاء يستطيع أن يسطو على غيره فيُعيّر، ويشتم، ويسفك الدماء. وقد انتشرت من جراء ذلك الفوضى في البلاد، وكاد يُقْطع حبل الأمن والسلام، وضج الناس منهم.
عقد الملك عبدالعزيز، في سنة 1337هـ/1919م، مؤتمراً، في الرياض، للنظر في هذه الأمور، حضره كبار الرؤساء والعلماء، وقرروا بعد البحث ما يأتي:
أ. الكفر لا يُطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.
ب. لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة، إذا كان معتقدهما واحداً.
ج. لا فرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الآخرين.
د. لا فرق بين ذبيحة البدوي، الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين.
هـ. لا حق للمهاجرين أن يعتدوا على الناس، الذين لم يهاجروا كأن يضربوهم، أو يتهددوهم، أو يلزموهم الهجرة.
و. لا حق لأحد أن يهجر أحداً، بدوياً كان أو حضرياً، بغير أمر واضح، وكفر صريح، ومن دون أذن من ولي الأمر أو الحاكم الشرعي.
وقد ضُمِنّت هذه القرارات منشوراً صدر عن الملك عبدالعزيز والعلماء، في شأن مخالفة الإخوان للشرع .
2. المواجهة
عقب انتصار الإخوان على جيش الشريف حسين، في معركة تربة ، في 25 شعبان 1337هـ/ 25 مايو 1919م، وجد الإخوان أنفسهم محط الأنظار وفي دائرة الضوء. فالظروف السياسية التي أدّت إلى تلك الأحداث، والمواجهة العسكرية التي أسفرت عنها، دفعت بحركة الإخوان إلى الساحة الدّولية. فقد كان البريطانيون ينظرون إلى حركة الإخوان، أول أمرها، على أنها ظاهرة دينية داخلية، لا تهدد المجتمع الدولي أو المصالح البريطانية، على الرغم من سمعتها المرعبة في النفوس. ولكن عقب انتصار الإخوان العسكري على قوات الشريف حسين النظامية، واجه العالم الخارجي خطراً عسكرياً وعقائدياً حقيقياً .
وبينما الملك عبدالعزيز يسعى جاهداً للإبقاء على خياراته السياسية والعسكرية مفتوحة، في مختلف المجالات والأصعدة، كان الإخوان يدفعون بالأحداث إلى مجاري الأزمات والتصعيد. فوقفوا موقفاً معادياً من حاكم الكويت، انتهى بمنع الإخوان جميع المسلمين من التعامل بالبيع والشراء مع الكويت أو حتى زيارتها إلى أن تثوب إلى رشدها، وتتخلى عن تراخيها في الأمور الدينية والأخلاقية، وترجع إلى المسار الإسلامي الصحيح .
وبعد معركة تربة، ضد شريف مكة، في 25 شعبان 1337هـ/ 25 مايو 1919م، ومعركة الجهراء ، ضد سالم بن مبارك الصباح، في 26 محرم 1339هـ/10 أكتوبر 1920م، خاض الإخوان معركتهم الأخيرة ضد ابن رشيد، في حائل، في 1340هـ/ 1921م، وأصبح لهم شأن عسكري، ووزن سياسي.
وبدأ الإخوان في الثورة العسكرية، فقادوا حملات، عقب سقوط حائل، 1340هـ/1921م، أدّت إلى فتح كل من الجوف ووادي السّرحان، في الشمال. وبعد أن سيطر الإخوان على الأطراف الشمالية لشبه الجزيرة، بدأوا يتطلعون إلى السيطرة على فلسطين وسورية. وكذلك، لم يترك الإخوان حدود شرق الأردن تنعم بالهدوء، فأغاروا على المدن القريبة من عمّان، وقتلوا من قاومهم، بلا هوادة أو رحمة، وطاردهم البريطانيون بالطائرات، وقتلوا عدداً كبيراً منهم.
وقد أدّت الهجمات، التي قادها الإخوان على جيرانهم في الشمال، إلى اتفاق إنجليزي ـ نجدي، في شـأن الحدود بين نجـد والعراق، عُقد في مؤتمر "العُقير"، في 12 ربيع الثاني 1341هـ/ 2 ديسمبر 1922م. وكان هذا الاتفاق مُقيداً لحركة الإخوان، وعلى حساب طموحاتهم.
بدأ التوتر يزداد بين الإخوان والملك عبدالعزيز، عندما غاب عن الإخوان البُعد السياسي، الذي كان يرمي إليه الملك، من اتفاقية العُقير مع البريطانيين. فقد رأى الإخوان فيها ضرباً من موالاة الكفار، على حين كان الملك عبدالعزيز يسعى، من طريقها، إلى تحييد الإنجليز، في صراعه مع الشريف حسين، في الحجاز. فكان أن ترأس الملك عبدالعزيز، في أواخر عام 1342هـ/ يونيه 1924، مؤتمراً، في الرياض، حضره علماء نجد، ورؤساء القبائل والقرى، وزعماء الإخوان. وكان محور المؤتمر شكوى الإخوان، من أن الشريف حسين منعهم من أداء فريضة الحج.
وفي هذا المؤتمر، تحدث زعماء الأخوان، وفي مقدمتهم سلطان بن بجاد المُلقب بسلطان الدين، وقالوا: إنهم كانوا على استعداد للذهاب إلى مكة، لأداء الفريضة، بالقوة إن استدعى الأمر ذلك. وطالب الإخوان الملك عبدالعزيز بقيادتهم، لمواجهة الشريف حسين وجهاده. وبذلك حصل الملك عبدالعزيز على فتوى شرعية، لشن الحرب على الشريف حسين، لضمان حرية أداء فريضة الحج. وهكذا، صدر، عن مؤتمر الرياض، قرار بغزو الحجاز.
فصدرت الأوامر إلى قوات الإخوان، المتمركزة، بالفعل، في تربة والخرمة بالاستعداد. كما صدرت الأوامر إلى قائديها الشريف خالد بن منصور بن لؤي، وسلطان بن بجاد، بالتحرك نحو الطائف. وزُوِّدت القوات بأمر الهجوم على الطائف، عقب انتهاء موسم حج عام 1342هـ.
وفي صفر 1343هـ/ سبتمبر من عام 1924م، هاجمت قوات الإخوان، بقيادة الشريف خالد بن لؤي، بعض القرى الصغيرة، حول مدينة الطائف . وقُدِّر عدد المقاتلين بنحو ثلاثة آلاف مقاتل. فدمروا القوات الهاشمية، التي كانت تفوقهم عدداً وعتاداً وتدريباً، وهرب قادتها تَارِكين المدينة وسُكانها، لمواجهة مصيرهم.
وعلى كل، فقد استولى الإخوان على الطائف، وفعلوا ما يفعله، عادة، الجند المنتصرون، حين يستبيحون البلدة، فيقتلون وينهبون. فاضطر أهلها إلى الفرار منها. وقد بلغت أنباء مذبحة الطائف أسماع الملك عبدالعزيز، وهو ما يزال في الرياض، فأصدر أوامره، من الفور، بإيقاف أعمال العنف.
وإن كان الإخوان قد ارتكبوا أعمالاً من العنف في الطائف، إلاّ أنها كانت كافية لسقوط مكة والمدينة، بعد شهر من ذلك، من دون إراقة للدماء. فقد سبقت صور العنف والبطش الإخواني، المبالغ في روايتها، إلى أهل الحجاز، الذين باتوا يأملون في التسليم، حفاظاً على أرواحهم. وبعد أن أذن الملك عبدالعزيز لقائديه بالتقدم نحو مكة، التي خرج منها الشريف حسين وأخلاها، دخل أربعة آلاف من الإخوان مكة، محرمين خاشعين، ولكنهم يحملون السلاح، في 18 من ربيع الأول عام 1343هـ/ 18 أكتوبر 1924م. ولم يواجهوا أي مقاومة، ولم يطلقوا رصاصة واحدة، ولم يسلبوا أو ينهبوا، ولكنهم هدموا القِباب.
وهكذا، أدّى سقوط الطائف ومكة ـ بجهد الإخوان ـ إلى تحديد مصير الحجاز، وإنهاء حكم الأسرة الهاشمية، في شبه الجزيرة العربية .
وعندما أحكم الإخوان سيطرتهم على مكة، كان الملك عبدالعزيز وقوّاته في طريقهم من الرياض إلى الحجاز، لم يبلغوا بعد منتصف الطريق.
وخلال هذه الفترة، كان القائدان، الشريف خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد، قد حسما الأمر، في مكة، مع القناصل الأجانب في جدة، ومع أعيان الحجاز وممثلي الدول الكبرى، قبل وصول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز.
استسلمت المدينة المنورة، في 19 جمادى الأولى 1344هـ/ 5 ديسمبر 1925م، بعد حصار دام عشرة أشهر. واستسلمت جدة، بعد ذلك بشهر، عقب حصار دام عاماً كاملاً. ولكن، لم يكن للإخوان دور عسكري في استسلام هاتين المدينتين، بل منعوا من دخولهما. وعندما بدأ الإخوان يسببون حرجاً للملك عبدالعزيز، كان أفضل قرار يتخذه هو أن يعيدهم إلى نجد، معززين مُكَرّمين، معهم غنائم الحرب.
------------------------------
3. تصاعد الأحداث
كان الإخوان يريدون مواصلة المسيرة الدينية الظافرة، وقد أحسوا أنهم عنصرٌ غير مرغوب وجوده في الحجاز، وأنهم عمليا منعوا من دخول المدينة المنورة وجدة، وأن علماء نجد الوهابيين أخذوا مكانهم، وأنهم ـ أي الإخوان ـ لم يعد لهم مكان في مجتمع الحجاز المتحضر.
وفي عام 1343هـ/ 1925م، أعلن فيصل الدّويش ومجموعة من الإخوان، الخطوط العريضة لخلافهم مع الملك عبدالعزيز. كان ذلك خلال أول احتفال لهم بأواخر شهر رمضان في مكة المكرمة، وقد حضر الاجتماع الشريف خالد بن لؤي، وبعض كبار قادة الإخوان البارزين.
وبدأ تطرفهم الديني يُسَببُ حرجاً للملك عبدالعزيز. مثال ذلك، أنهم عارضوا أبواق المحمل المصري، لأن عزف الموسيقى في المشاعر المقدسة، في أيام الحج، حرام. فهجموا على المحمل، مما حدا بحراس المحمل أن يدافعوا عن أنفسهم، ويفتحوا عليهم النار، وذلك في موسم حج عام 1344هـ/1926م. وأدّى الحادث إلى توتر في العلاقات بين مصر والملك عبدالعزيز، قطعت على أثره، العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مدة عشر سنوات.
وهكذا، أُعيد الإخوان إلى نجد مُستائين من الملك عبدالعزيز، ومن البريطانيين الكفار، ومن أهل الحجاز (الكفار) أيضاً، ومن (كفار) العراق والأردن. رجعوا إلى قواعدهم، في نجد، يحملون في أنفسهم قنابل موقوته تستعد للانفجار. فقد شعروا أنهم، تحت قيادة فيصل الدّويش وسلطان بن بجاد، حققوا للملك عبدالعزيز حلمه في فتح الحجاز، وأنه بسيوفهم وصل إلى ما هو فيه، من مجد واستقرار.
وأحس قادة الإخوان الثلاثة: فيصل الدّويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين، أن ظلماً وحيفاً حاقا بهم. وكان الدّويش قد تحول إلى أسطورة، بين الإخوان والقبائل الرعوية، الرحل والمستقرة. وكذلك، كان ابن بجاد، يٌعد بطلاً يخشاه الناس، كما يخشون أتباعه من الإخوان. وقد عُرف ابن بجاد بين اتباعه مسلماً مخلصاً، وأميناً لمبادئ الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. وبالمثل، كان ابن حثلين لا يُخفي عدم ارتياحه من الملك عبدالعزيز، الذي قمع قبيلته العجمان، في الأحساء.
كانوا ثلاثتهم يعارضون الملك عبدالعزيز، ويتخذون لتلك المعارضة سبباً ظاهراً، هو أنه أدخل الاختراعات الحديثة والبدع إلى البلاد، وأنه حرّم الغزو، الداخلي والخارجي.
وفي نهاية عام 1344هـ/ 1926م أصبحت مطالب الإخوان أكثر تحديداً. ففي المؤتمر، الذي عُقِد في الأرطاوية، وحضره زعماء الإخوان، من مطير وعتيبة والعجمان، حصروا خلافهم مع الملك عبدالعزيز في الآتي :
أ. عدم قبولهم إرسال الملك عبدالعزيز ولده الأمير سعود إلى مصر، التي يحتلها الإنجليز النصارى، ويسكنها مسلمون كفار. وكان قد سافر إليها لتطبيب عينيه، ولتحسين العلاقات المتوترة معها.
ب. عدم قبولهم إرسال الملك عبدالعزيز ولده الأمير فيصل، إلى لندن، في مهمة سياسية، بلد الشِّرك.
ج. رفضهم استخدام السّيارات والبرق (التلغرافات) والهواتف (التليفونات). ورأوا أنها بدع نصرانية، من عمل الشيطان.
د. رفض مبدأ المكوس (الضرائب)، التي يأخذها الملك عبدالعزيز من التجار والجمارك، في الحجاز ونجد.
هـ. الاحتجاج على سماح الملك عبدالعزيز لعشائر شرق الأردن، بالرعي في أراضي المسلمين (شبه الجزيرة العربية).
و. الاحتجاج على منع المتاجرة مع الكويت؛ لأن أهل الكويت إن كانوا كفاراً حوربوا، وإن كانوا مسلمين فلماذا المقاطعة ؟
وكان المخاطب بإظهار هذه المخالفات هُمْ السُّذج من أتباعهم، يوغرون بها صدورهم على الملك. وتعاهد الزعماء على أن يكونوا يداً واحدة في محاربة الكفر. فانتشروا يبثون دعاويهم بين الناس.
ورداً على انتقادات الإخوان ومطالبهم، التي طرحوها، عاد الملك عبدالعزيز من الحجاز إلى نجد، ليعقد اجتماعاً، في الرياض، مع زعماء الإخوان ورؤساء القبائل. وقد حضر هذا المؤتمر نحو ثلاثة آلاف شخص ، وفي ذلك الاجتماع، الذي جرى في 25 رجب 1345هـ/ آخر يناير عام 1927، أكد الملك عبدالعزيز من جديد ولاءه للشريعة، وأنه لم ينحرف عن مبادئها، وكرر أنه لا يزال قائدهم، الذي يعرفونه. وانتهى الاجتماع بإصدار فتوى من علماء نجد، ردّوا فيها على اعتراضات الإخوان، التي أثاروها، وكانت ترمي، في حقيقة الأمر، إلى إثارة الرأي العام، باسم الدين، ضد الملك عبدالعزيز.
وفيما يلي بعض ما جاء في الفتوى، التي أصدرها خمسة عشر من العلماء:
"أمّا مسألة البرق (التلغراف اللاسلكي)، فهو أمر حادث في آخر هذا الزمان. ولا نعلم حقيقته، ولا رأينا فيه كلاماً لأحد من أهل العلم، فتوقفنا في مسألته، ولا نقول على الله ورسوله بغير علم، والجزم بالإباحة والتحريم يحتاج إلى الوقوف على حقيقته. وأمّا مسجد حمزة وأبي رشيد، فأفتينا الإمام ـ وفقه الله ـ بهدمهما من الفور. وأمّا القوانين، فإن كان موجوداً منها شيء، في الحجاز، فيزال فوراً. ولا يُحْكم إلاّ بالشرع المُطَهَّر. وأمّا دخول الحاج المصري بالسلاح والقوة في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول، بالسلاح، بالقوة، ومن إظهارهم الشِّرك وجميع المنكرات. وأمّا المحمل، فأفْتَيْنا بمنعه من دخول المسجد الحرام، ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يُقَبّله ...." .
نفّذ الملك عبدالعزيز التوصيات، التي أصدرها العلماء في الفتوى. فحرّم استعمال الراديو والتلغراف، في أجزاء محددة، في المملكة، مع أن العلماء لم يحرّموا استعمالها، بصورة قاطعة.
وكان الملك عبدالعزيز يأمل إزالة توتر الإخوان واعتراضهم على سياسته، أو على الأقل، تأجيل المواجهة معهم حتى حين.
وعقب انتهاء الاجتماع، تعاهد الإخوان، مرة أخرى، على نصرة الملك عبدالعزيز، وبايعوه قائداً وإماماً.
ولكن الأحداث عادت إلى سيرتها الأولى. فَعَقِبَ انفضاض المؤتمر، رجع الإخوان إلى مسلكهم الأول، وواصلوا غزو القبائل على حدود العراق. وكانت قبائل من شمر قد هربت بعد غزو حائل، من نجد إلى العراق، ثم انضمت إليها جماعات من الإخوان النجديين، وأُطلق على هذه المجموعة "الإخوان اللاجئون". وكانت هذه المجموعة شوكة في ظهر الملك عبدالعزيز، نتيجة لغزواتهم المتصلة ضد القبائل على الحدود العراقية.
ولمّا وجد الإخوان أنفسهم في فراغ من الجهاد والحرب، بدأوا يتطلعون إلى العراق كأقرب الأهداف المشروعة، التي تستحق الغزو. وسبب ذلك، أنّ قبائل العراق، في نظرهم، "كافرة"، والإخوان المساعدون لها (اللاجئون) خونة. وعندما بدأت غزوات الإخوان تأخذ طابع العنف، قررت حكومة العراق إنشاء مركز للشرطة، عند آبار "بُصَيّه" ،على حدودها مع نجد، لمنع الغزو على جانبيّ الحدود. ولكن الملك عبدالعزيز رأى أن إقامة هذا المركز وأمثاله، مخالف للمادة الثالثة من بروتوكول العقير، التي تنص على أن: "تتعهد الحكومتان النجدية والعراقية، كل من قبلها، ألاّ تستخدم الآبار الموجودة على أطراف الحدود لأي غرض حربي، كوضع قلاع عليها، وألاّ تعبيء جنداً في أطرافها". وسعى الملك للتفاوض مع البريطانيين، أصحاب الانتداب على العراق، حول إزالة هذه المخافر. ورأى الإخوان في إقامة تلك المخافر عملاً استفزازياً جديداً، من قِبل البريطانيين. وكان ذلك مبرراً كافياً للهجوم عليها. وقرر البريطانيون مطاردة المُعتدين، داخل أراضي نجد، فاحتج الملك عبدالعزيز على ذلك، كما أنه عاتب الإخوان على قيامهم بالغزو من دون إذن منه، وإن كان منطق الأحداث يجعل هذا الغزو، يُحقق للملك عبدالعزيز المعادلة المتوازنة في تجنب المواجهة المباشرة مع البريطانيين ، الذين كانوا يأملون في كفه أذى الإخوان عنهم.
وبينما الإخوان يركزون هجومهم، بصفة أساسية، على "الكفار"، كانوا يتهمون الملك عبدالعزيز بأنه باع نفسه للنصارى الإنجليز، وأنه تحالف معهم، ضد التزامه مع الأخوان على نشر الإسلام ومحاربة الكافرين. وحتى يتجنب الملك عبدالعزيز تصعيد الأحداث، وافق على الاجتماع إلى رؤساء الإخوان الثلاثة، في مدينة بريدة. ولكن عندما حان موعد اللقاء، تخوّف الطرفان من لقاء بعضهم بعضاً؛ فقد كان كل جانب يتشكك في الآخر. وتم الاتفاق على تأجيل الاجتماع، حتى يتمكن الملك عبدالعزيز من التباحث مع البريطانيين، في شأن خلافاتهم مع الإخوان. وبعد فشل المفاوضات، التي جرت بين الملك عبدالعزيز والسير جلبرت كلايتون، في جدة، تزايد تهديد الإخوان، بما أحرج موقف الملك عبدالعزيز. وأصبح مقتنعاً أن الدافع الرئيسي وراء تصرفات قادة الإخوان الثلاثة لم يكن غيرتهم على الدين، وإنما تطلعاتهم الشخصية إلى السلطة، وإرضاء شهوتهم للغزو. وكان يُقدر أنهم قد اتفقوا، فيما بينهم، على اقتسام الأسلاب بعد التخلص منه: يصبح فيصل الدّويش حاكماً لنجد، ويتولى سلطان بن بجاد حكم الحجاز، ويصبح ضيدان بن حثلين حاكماً للأحساء. وهذا التوزيع كان متوافقاً مع توزيع القبائل، ونفوذ كل شيخ من الشيوخ في المنطقة التي تخصه. ومع ذلك، وعلى الرغم من ازدياد الموقف حرجاً في نجد، لم يعد إليها الملك عبدالعزيز، من الحجاز، إلاّ في شهر جمادى الأولى من عام 1347هـ/ نوفمبر 1928م. وفي ذلك التاريخ، ساد التمرد العام بين الإخوان. فقد بدأوا يمارسون الغزو على هواهم، مما أدّى إلى شل حركة الملك عبدالعزيز في اتخاذ أي إجراء، داخلي أو خارجي. ولم يكن بوسعه الاعتراف أنّ الإخوان إنما يغزون من دون إذن أو تصريح منه، لأن ذلك سيكون اعترافاً صريحاً منه بعدم قدرته على السيطرة عليهم. ومع ذلك، لم يستكن الملك عبدالعزيز للهجمات الشرسة القاسية، التي كان الإخوان يشنونها على القبائل، تلك القبائل التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها. ولم يرض عن الانتهاكات الصارخة، التي قام بها الإخوان، للاتفاقات التي أبرمها مع الحكومة البريطانية .
وكان منطقياً أن ينفد صبر الملك عبدالعزيز عند هذا الحد من تصرفات الإخوان، خاصة بعد أن استجاب لمطلبهم، وحرّم استعمال الراديو، واللاسلكي والسيارات، واختراعات أخرى حديثه، في الرياض. ومن الواضح أن أياً من تلك الاستجابات لم تكن لتُرضي الإخوان. كما أدرك الملك عبدالعزيز أن قادة الإخوان يتمتعون بشعبية بين كثير من رعاياه، نظراً لنجاح كل من فيصل الدّويش وابن بجاد في الحملة التي قاما بها بين القبائل. فأذاعا أنهما يمثلان مصالح الإسلام الشرعية، وأنهما يدافعان عن قضية الدين، في حين أن الملك عبدالعزيز بعد أن استولى، بفضل شجاعتهم، على الحجاز، باع نفسه للإنجليز وللنصارى.
ومما لا شك فيه، أن مواجهة الإخوان أصبحت أمراً لا مفر منه. ومع ذلك، كان الملك عبدالعزيز يأمل، عندما يحين موعد هذه المواجهة، أن يحظى بمساندة أكبر عدد من رعاياه، وأن تكون قضيته واضحة لهم، تماماً.
-------------------------------
مؤتمر أعيان الرياض (الجمعية العمومية)
كان رد الملك عبدالعزيز على اتهامات الإخوان ومطالبهم، الدعوة إلى عقد اجتماع يحضره العلماء وزعماء القبائل، رؤساء القرى والحواضر . وأُطلق على هذا الاجتماع اسم "الجمعية العمومية"، كما يُشار إليه، كذلك، باسم "مؤتمر أعيان الرياض". وقد بدأ المؤتمر، في 22 من جمادى الأولى عام 1347هـ/ 5 نوفمبر عام 1928م ، في الرياض، وسط جو من الشكِّ وعدم الطمأنينة. وانتهى بعد ذلك بعدة أيام، بتقوية قبضة الملك عبدالعزيز على زمام الأمور، إلى حدٍّ كبير.
1. وقائع المؤتمر
تلبية لنداء الاجتماع، وصل إلى الرياض آلاف من أهل القرى والحضر، والعلماء ومشايخ القبائل، والإخوان من الهُجَر. وتخلف عن الحضور زعيما الإخوان، سلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين، أمّا فيصل الدّويش فأناب عنه ابنه عزيز(عبدالعزيز).
ولم تكن إتاحة الفرصة لكل من وصلوا إلى الرياض، لحضور المؤتمر أو التحدث فيه، أمراً ميسوراً، نظراً لكثرة عددهم. لذلك، أعدَّ القائمون على أمر المؤتمر قائمة تضم حوالي ثمانمائة مندوب، عُرضت على الملك، للموافقة عليها. وفي ضوء وصف تجهيزات المؤتمر ومحاضر الاجتماعات، التي نشرتها جريدة "أم القرى" ، يتضح أن وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً، أنفقا في التخطيط للمؤتمر. وحُددت شرفة كبيرة من شرفات القصر لتكون مكاناً للاجتماعات. وبعد أن وافق الملك عبدالعزيز على القائمة، التي قُدمت إليه، أمر بتوجيه الدعوة إلى كل عضو على حده. وتحدد موعد الاجتماع الساعة السابعة من صباح 22 جمادى الأولى عام 1347هـ/ 5 نوفمبر 1928م. وقد خُصِّصت غرف انتظار خاصة لكل جماعة من الجماعات. وروعي، في ذلك، وضع الحضر في قاعة واحدة، والزعماء الدينيين في قاعة أخرى، والإخوان في قاعة ثالثة. وقبل نصف ساعة فقط من بدء أعمال المؤتمر، جلس الملك عبدالعزيز في المكان المخصص له، يحيط به أفراد عائلته. ثم استدعى بعد ذلك المندوبين، طبقاً لمنازلهم. وبدأ العلماء، أولاً، بشغل الصف الأمامي من ناحيتي اليسار واليمين . وبعد أن جلس العلماء في أماكنهم، أُمر بإدخال الحضر والقرويين، الذين جلس بعضهم خلف العلماء، وبعض آخر في الخلف وعلى جانبي الشرفة. ثم أُمر بعد ذلك بإدخال الإخوان ورجال القبائل. وجلس الإخوان ورجال القبائل حسب الهجرة والقبيلة، صفاً بعد صف في مواجهة الملك. وقد استغرقت عملية الجلوس نحو خمس عشرة دقيقة تقريباً.
نهض الملك عبدالعزيز، بعد تقديم القهوة، وخاطب المؤتمر، مستعرضاً كفاحه، وكيف نصره الله بعون منه، ومعه أربعون من أصدقائه المقربين. ثم عرض على الاجتماع، أن يتنازل عن الحكم؛ لمن يختارونه من آل سعود. ولكنه أوضح للمؤتمر أنه لا يفعل ذلك خوفاً من أحدٍ منهم، أو جماعة، وإنما لأنه لا يريد أن يحكم أناساً لا يريدونه حاكماً لهم. وأشار إلى أفراد الأسرة المالكة الذين يحضرون الاجتماع، وطلب إلى المجتمعين أن يختاروا واحداً منهم لتولي الحكم، وأنه سوف يوافق على قرارهم . ولكن المندوبين رفضوا العرض رفضاً قاطعاً، وهم يصيحون "لن نرضى بغيرك بديلاً يحكمنا". وبعد ذلك مباشرة، وفيما يشبه الأداء المنظم، طلب الملك عبدالعزيز من الحاضرين أن يقولوا ما يريدون. ووعد بألا يُعاقب أحداً على ما سيقوله .
وعلى الرغم من أن المؤتمر كان قد عُقد من الناحية الشكلية، لمناقشة الأخطار، التي ترتبت على انتهاك البريطانيين لبروتوكولات العقير، وانتهاكهم لسيادة نجد من طريق الغارات الجوية، التي قاموا بها على القبائل، فإن كل من شهد المؤتمر كان يعرف أن موضوعه هو حسم الصراع بين الإخوان والملك عبدالعزيز.
وتحدث ممثلو العلماء في البداية . وأقسموا أنهم لم يكتشفوا قط أي فتور في غَيْرة الملك عبدالعزيز على الدين، أو إخلاصه لنشر الإسلام. وأردف العلماء قائلين: إن كان الملك قد ارتكب بعض الأخطاء، فذاك شيء طبيعي، لأن محمداً ـ هو الوحيد المعصوم من الخطأ. إن الأخطاء، التي ربما يكون الملك عبدالعزيز قد ارتكبها، لا تتيح لشعبه أن يدير له ظهره، أو أن يدير هو ظهره لشعبه. واختتم العلماء حديثهم قائلين: إنهم لم يشهدوا بما قالوه خوفاً من الملك، بل إحقاقاً للحق، لأنهم بوصفهم علماء يتعين عليهم إرشاد الناس وتوجيههم.
ثم تكلم بعد ذلك أعضاء من الإخوان . وكان المتكلمون الرئيسيون يمثلون نواباً عن فيصل الدّويش نيابة عن قبيلة مطير، وتكلم عن مشايخ قبيلة حرب كل من البحيماح، وعبد المحسن الِفرْم والطويي وابن بخيت. كما تحدث ابن ربيعان ممثلاً لقبيلة عتيبة، وابن عمار وابن حشر ممثلين لقبيلة قحطان. وأقروا كلهم بمساعدة الملك عبدالعزيز لهم، واعترفوا بقيادته واحترامه لضعافهم ومُسِنِّيهم، كما نسبوا إليه فضل بناء مساجد لهم في الهُجَر، وإرسال الدعاة لتعليمهم الدين الصحيح. لم يشكّوا أبداً في ذلك كله، ولكن، على الملك عبدالعزيز ألاّ ينسى أنهم تخلوا عن حياتهم الرعوية الترحالية، وهَجَروا قبائلهم، وثرواتهم، في بعض الأحيان، تلبية لندائه لهم باتباع الدين الصحيح، وأن يجاهدوا في سبيل الله، وأن سيوفهم ودماءهم هي التي جلبت له النصر . وكان من أهم المواجهات، التي دارت في المؤتمر، ما أوضحه قادة الإخوان من أنهم يريدون أن يستوضحوا بعض النقاط، قبل أن يتبعوا الملك عبدالعزيز، مرة أخرى، دون قيد أو شرط. والسبب في ذلك، أنهم يخشون غضب الله، أكثر من خشيتهم للملك عبدالعزيز.
وأثار الإخوان بعض الأسئلة، التي طرحوها على العلماء من قبل فردوا عليها؛ واقتنع بعض الإخوان بتلك الردود، ولكن بعضاً منهم لم يقتنع. وأصرّوا على طرح الأسئلة التالية على الملك عبدالعزيز، وعلى العلماء مجتمعين. وأقسموا على أن يتبعوا ما يُفْتي به العلماء:
أ. مسألة البرق (التلغراف أوالأتيال). فهي من وجهة نظرهم نوع من الشعوذة والسِّحر. ولمّا كان الإسلام يحرِّم السحر، فهل يمكن للمسلم الحقيقي أن يستعمل التلغراف من دون أن يضر بالدين؟
ب. مسألة حض القرآن على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هل كان الملك عبدالعزيز يوفد الدعاة الدينيين إلى المناطق، التي كانوا يفتحونها لهداية أهلها، الذين كانوا يزعمون أنهم مسلمون، إلى الدين الصحيح؟لقد كانوا يخشون أن الملك عبدالعزيز قد بات متساهلاً في تلك المسألة.
ج. مسألة المخافر التي أنشأها البريطانيون في المناطق الحدودية بين نجد والعراق. لقد نفد صبر الإخوان في هذا الصدد. هل يعتقد الملك عبدالعزيز أن دينه أعطاه الحق لترسيم الحدود في المناطق التي كانت مملوكة لهم ولأجدادهم على مر الأجيال؟ وبعد أن التزم الملك عبدالعزيز بمثل تلك الحدود مع النصارى، كيف يسمح لهم بخرق المعاهدة، التي أبرمها معهم، وهي معاهدة تحظر إنشاء المخافر في مناطق الآبار؟إن مسألة المخافر لا يمكن السكوت عليها، أكثر من ذلك. وهم على استعداد لقبول حكمه في هذا الموضوع، ولكن بالشروط التالية:
(1) أن يحصلوا من العلماء على حكم مؤسَّسْ على الشريعة، مفاده: إذا سكت الإخوان على ذلك الأمر، وترتب عليه إضرار بالدين أو المسلمين، فإنهم سيكونون أبرياء من الملامة أمام الله.
(2) أن يضمن لهم الملك عبدالعزيز، شخصياً، أنه لن يسمح بحدوث أي ضرر لهم، أو لدينهم أو لبلدهم، نتيجة لإنشاء تلك المخافر. وأردفوا قائلين: "إنه إذا لم يستطع ذلك، فإننا نقسم بالله إننا لن نسمح بقيام تلك المخافر طالما استمرت دقات قلوبنا، أو بقيت الحياة في واحد منا، لأننا نفضل أن نموت وأن نقتل جميعاً على أن نرى خطراً يُهدد ديننا وبلدنا ونسكت عليه".
د. مسألة منع الناس عن الجهاد. لِم فعل الملك عبدالعزيز ذلك؟ ولِم أوقف نشر كلمة الله؟
وبعد انتهاء المندوبين من إلقاء خطبهم، طلب الملك عبدالعزيز سماع المزيد من الآراء والانتقادات؛ ولكن أحداً لم يقل شيئاً، فنادى مرة ثانية وثالثة. ورد عليه المتحدثون بأنهم قد أفرغوا صدورهم من جميع التساؤلات. ثم أخذ الملك عبدالعزيز، بعد ذلك، في الرد على تلك التساؤلات. فطلب من العلماء ـ فيما يتعلق بمسألة البرق "التلغراف" والاختراعات الحديثة الأخرى ـ أن يتحدثوا في هذا الموضوع. فقرأ العلماء نصاً من فتوى سبق إعدادها من قبل، وتعبر عن رأيهم في ذلك الشأن، ومفادها أنهم لم يجدوا سبباً شرعياً للمنع في القرآن أو السنة، أو عند علماء الإسلام السابقين. ولذلك، ما لم يُقدم المُعارض لاستخدام هذه المخترعات دليلاً شرعياً على ما يقول، فإنهم لا يرون حرجاً في استعمال التلغراف والاختراعات الحديثة. وفيما يتعلق بالمسلمين المنحرفين عن الدين الصحيح، كرر الملك عبدالعزيز على أسماع المؤتمر أنه أرسل دعاة إلى كل مدينة وبلدة، بل إِنه أرسل مؤخراً دعاة إلى قبيلة في شمال الحجاز هي بني مالك. وقال للحاضرين: إذا كان مشايخ القبائل لا يؤدون ما عليهم في هذا الصدد، فإنه يتعين عليهم إبلاغه بذلك، وسوف يتصرف بناء على التوصيات التي سيرسلونها إليه. وعن مسألة المخافر، أبلغ المؤتمر أن تلك المخافر إنما أنشئت بسبب الغزوات، التي كان الإخوان يقومون بها. فقد كان البريطانيون يتهمون فيصل الدّويش بقتل رجال الشرطة. "أنا، الملك عبدالعزيز، لم أفعل ذلك، والبريطانيون يقولون إنهم أقاموا تلك المخافر خوفاً منكم" .
ورد الإخوان أنهم بريئون من أفعال فيصل الدّويش، وهم على استعداد لِقتاله بشرطين:
أ. أن يُدمر الملك عبدالعزيز المخافر، التي أُنشئت مؤخراً، والتي يرى الإخوان وجودها مسألة حياة أو موت، بالنسبة لهم.
ب. أن يعد البريطانيون بألا يحولوا بين الإخوان وأولئك الذين يرى الإخوان ضرورة معاقبتهم، من أمثال يوسف السعدون الزعيم العراقي.
وأردف الإخوان قائلين: إن المخافر تجرى تقويتها كل يوم، "ونحن نصارحك أن ديننا وحياتنا في خطر، وأن البريطانيين هم الذين بدأوا بالشر".
وعند هذه المرحلة، أدلى العلماء برأيهم في مسألة المخافر، ووقفوا إلى جانب الإخوان. وأبلغوا الملك عبدالعزيز أن المخافر تشكل خطراً على العرب والمسلمين، خاصة أهل نجد، ولا بد أن يفعل كل ما في وسعه لإزالة تلك المخافر. وأن الجهد الموجه لإزالة تلك المخافر لا يدخل في حكم الجهاد، وإنما هو دفاع عن الدين.
وصاح الإخوان ابتهاجاً برأي العلماء قائلين: "هل سمعتم ما يقولون. نستحلفك بالله أن تقول لنا رأيك في تلك المخافر؟ ورد عليهم الملك قائلاً: أنا أقول إن ما قاله العلماء صحيح، وأقسم إنني سوف أبت في الموضوع. وفيما يتعلق بمسألة الجهاد، فأنا أريد التحدث عنها في مكان آخر وعلى انفراد. ثم طلب إليهم أن يختاروا من بينهم خمسين شخصاً يمثلونهم ليجتمعوا معه، ويقول لهم رأيه في موضوع الجهاد، وأنهم سيتوصلون إلى بعض القرارات لإنهاء الموضوع. وفي ختام المؤتمر قال الملك عبدالعزيز للحاضرين: "أقول لكم جميعاً، كباراً وصغاراً، إن حياتنا لن تكتمل إلاّ بالسلام، الذي يضمن لنا حقوقنا الكاملة في الدفاع عن حقوقنا وتحقيقها. فإما الانتصار وإما الاحتضار دفاعاً عن مقدساتنا وأمتنا؛ وأنا أقطع على نفسي عهداً بذلك أمام الله ".
وانتهى المؤتمر بأن وقف الأمير سعود، الابن الأكبر للملك، يقدم لوالده الحاضرين من الضيوف، ليُقسم كل منهم قسم الولاء والطاعة من جديد. وبعد تناول العشاء، اجتمع الملك بممثلي الوفود الخمسين شخصاً، من الساعة الثانية مساءً حتى الساعة السادسة ، ولم تذع محاضر هذا الاجتماع، ولا المحاضر التي تلت ذلك عن موضوع الجهاد، سوى القول إن المجموعة، التي اجتمعت مع الملك عبدالعزيز، توصلت إلى قرارات جماعية تناولت موضوع الجهاد.
وانتهى المؤتمر بحصول الملك عبدالعزيز على تأييد كل من العلماء والإخوان له، في مواجهة تمرد القائدين، فيصل الدّويش وابن بجاد
----------------------------
2. الإخوان بعد مؤتمر الرياض
عقب مؤتمر الرياض، الذي كان نصراً مبيناً للملك عبدالعزيز على زعماء الإخوان الثلاثة، وحَرِصَ أكثر الإخوان والعلماء والجماعات ذات التوجه الديني، على التزام الحياد في الصراع الدائر بين زعماء الإخوان والملك عبدالعزيز.
تجاهل زعماء الإخوان ما جرى في المؤتمر، وأذاعوا في القرى والهُجَر أنهم قائمون بأمر الشريعة والدين، التي يهدمها الملك عبدالعزيز.
وقد أرسل فيصل الدّويش إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز رسالة، عقب مؤتمر الرياض، تدل على أن المؤتمر لم يحقق الراحة النفسية الدينية الجهادية، التي كان الإخوان يأملون فيها. وأن هويّتهم الدينية مازالت معرضة للخطر، حين منعوا من الغزو والجهاد. يقول الدّويش في رسالته:
"لقد منعتني أيضاً من غزو البدو. وعليه فنحن لسنا مسلمين نحارب الكفار، ولا عرب وبدو يغزو بعضنا بعضاً، ونعيش على ما يحصل عليه بعضنا من البعض الآخر. لقد باعدت بيننا وبين اهتماماتنا الدينية واهتماماتنا الدنيوية. صحيح أنك لم تفشل في أن تفعل كل ما في وسعك من أجلي ومن أجل أهلي وناسي، ولكن إلى أين تذهب بقية قبائلي. إنهم سيموتون، وكيف لنا أن نرضى عن ذلك. لقد كان من عادتك في الماضي أن تصفح عن كل واحد منا يرتكب خطيئة من الخطايا، ولكنك الآن تعاملنا بالسيف وتتغاضى عن النصارى، وعن دينهم وقلاعهم، التي أنشأوها من أجل تدميرك" .
لم تنجح الجهود المتكررة، التي بذلها الملك عبدالعزيز، لحل الخلافات مع القادة المتمردين، خاصة ابن بجاد والدّويش. ويرجع السبب في ذلك، إلى حدٍّ كبير، إلى الحقيقة التي مفادها أن كل واحد من الزعماء الثلاثة المتمردين، كانت دوافعه الأساسية مختلفة عن الاثنين الآخرين. ومما لا شك فيه، أن ابن بجاد كان مسلماً أميناً مخلصاً، يشعر بالقلق البالغ إزاء اتجاه البلاد نحو التحديث، والاتجاه نحو التعاون الوثيق مع النصارى
لم تنجح سلسلة الرسائل المتبادلة بين زعماء التمرد والملك عبدالعزيز في نزع فتيل الأزمة، ولا المحاولات العديدة لترتيب اجتماعات تلتقي الأطراف فيها وجهاً لوجه. وفي الوقت نفسه، استمرت غارات الإخوان، وزادت حدّتها.
ترك سلطان بن بجاد قريته الغطغط، لقربها من الرياض، وانضم إلى فيصل الدّويش في الأرطاوية. وأغار ضيدان بن حثلين على عرب العراق وبادية الكويت والزبير. وضج العراق من اختلال الأمن على حدوده مع نجد.
وبينما كان الملك عبدالعزيز ينشد تسوية من طريق المفاوضات ـ تكون أقل كلفة مالية، وتحافظ على العلاقات القبلية من خطر الصراع على السلطة ـ اكتشف أن الفرصة تفلت من بين يديه، لتختفي نهائياً عندما غزا الإخوان، في شهر رجب 1347هـ/ ديسمبر 1928م (أي بعد أقل من شهر على مؤتمر الرياض)، قافلة النجديين العزّل في الجميمة، فضلاً عن غزوهم أيضاً بعض أتباع قبيلة شّمر، التي كانت كلها من رعايا الملك عبدالعزيز. وقد ذبح الإخوان تجار القافلة، ولم يعد بوسع الإخوان أن يزعموا أنهم كانوا يهاجمون الكفار؛ وفي المقابل، لم يطق الملك عبدالعزيز أن يقف مكتوف الأيدي أمام تحدي زعامته وسلطته، حين تُشنّ هجمات، لا يطولها العقاب، على رعاياه .
لم يمضِ ستون يوماً على مؤتمر الرياض، حتى أفصح سلطان بن بجاد ـ في يناير 1929 ـ عن نيته في شن حرب مقدّسة ضد العراق، في تحدٍّ صارخ لكل من الملك عبدالعزيز ومؤيديه في مؤتمر الرياض. وتحرك مع قواته في اتجاه العراق، حيث انضم إلى عناصر فيصل الدّويش من إخوان مطير، وعناصر ابن حثلين من قبائل العجمان، التي كانت تشن غزوات متقطعة على قبائل المنتفق الرعوية.
وقد دفعت تلك الإغارات العراقيين إلى اتخاذ إجراءات تأديبية قاسية. وبمساعدة القوات الجوية البريطانية، بدأ العراقيون يقصفون الغزاة من رجال القبائل. وكانوا في بعض الأحيان يتعقبونهم إلى نجد، ويقصفون مخيماتهم وموارد مياههم. وكانت إحدى هجماتهم على قبيلة مطير في "اللصافة"، حيث أصيب عدد كبير من النساء والأطفال. فاضطر الملك إلى تقديم احتجاج شديد اللهجة إلى الحكومة البريطانية. ثم واصل محاولاته للتفاوض مع زعماء الإخوان، لكنهم كانوا يزدادون تعنتاً. وكثيراً ما رفضوا حتى المجيء إليه في الرياض. ولم يكن من غير المعتاد، أن ترى أعداد كبيرة من الإخوان المسلحين يدخلون إلى الرياض ويخرجون منها، معلنين بصراحة عن قوتهم، وعدم احترامهم للسلطة المركزية.
3. اتساع فجوة الخلاف بين الملك عبدالعزيز والإخوان
تصاعدت قوة الإخوان أكثر فأكثر، وازداد نفوذهم في الحياة اليومية. ويُروى أنهم جلدوا علناً رئيس الديوان الملكي، بسبب الشكِّ في أنه لم يؤد الصلاة مع الجماعة. وكانت جماعات منهم تجوب الشوارع وتتصرف بوصفها شرطة دينية، عينت نفسها لتعاقب كل شخص لا يتبع تعاليمها الصارمة. أمّا هم فقد تحلُّوا بأقصى ما يمكن من العزوف عن الحياة الدنيا؛ فَحَرّموا على أنفسهم كل متعة مهما كانت ضئيلة. وكانوا يصرّون على ارتداء الملابس الخشنة؛ ويعتبرون الناعم من الثياب بذخاً محرّماً. وكانوا لا يبيحون أي نوع من أنواع الحلي. وقد ذهب كثيرُّ منهم أبعد من ذلك، ورأى وجوب إزالة الخيوط الذهبية المنسوجة في عباءاتهم. وكان من المألوف أن يمسكوا بمن يظهر وشارباه غير محفوفين، أو ثوبه أطول مما هو معتاد، فيقصوا الزائد من شعره أو ثوبه. ولم يسلم الملك عبدالعزيز نفسه من موقف مثل هذا. فقد ورد أنه زار مرة فيصل الدّويش في الأرطاوية، فحياه مضيفوه بقولهم إن ثوبه كان أطول مما ينبغي، فقصوا ما زاد عن الحدّ المعتاد، والملك مرتدياً ثوبه .
وفي اليوم الثاني عشر من شهر رمضان 1347هـ/ فبراير1929م، والملك يتأهب للتوجه إلى الحجاز لأداء الحج، وردت الأنباء بأن قبيلتين من أعظم قبائل الإخوان، عتيبة ومطير، اجتمعتا في شمال القصيم، استعداداً لشن هجوم شامل على الأراضي العراقية؛ فأدرك عدم جدوى محاولاته إقناعهم بالطرق السّلمية، وأن الحركة التي أنشأها لنشر السلام والاستقرار في مملكته صارت أداة للعنف والفوضى. وقد أصبح واضحاً، كل الوضوح، أن القوة يجب أن تواجه بالقوة. فبدأ جلالته يستعد للحرب، وقلبه مثقل بالألم.
واستمر الموقف على تدهوره، وانتقل الملك عبدالعزيز إلى القصيم لمواجهة هذه الأزمة من ناحية، ولإعداد نفسه وتجهيزها لمواجهة عسكرية سافرة معهم، من ناحية أخرى. واتخذ لنفسه جنوداً من الحضر وسكان القرى، الذين كان عدد منهم يتحرق إلى مقاتلة الإخوان، ليس انتقاماُ لإخوانهم الحضر، الذين قاسوا من غزوات الإخوان فحسب، وإنما لضمان أمن مستقبلهم وسلامته.
وقد تبادل زعماء المتمردين الثلاثة الرسائل مع الملك عبدالعزيز، قبل إعلان الحرب عليهم، على أمل التوصل إلى تسوية من طريق التفاوض. واستمرت تلك الجهود إلى ما قبل الليلة السابقة لمعركة السّبَلَة، المعركة الفاصلة.
ظل الإخوان حتى اللحظات الأخيرة من عمر حركتهم، يأملون في الاستمرار قوة عسكرية دينية، تحت قيادة الملك عبدالعزيز. يواصلون فتوحاتهم وينشرون العقيدة الصحيحة. كما كان الملك عبدالعزيز يُدرك أهميتهم ودورهم، وأنهم قوته وسنده، وأنهم صادقون فيما أدوه من خدمات جليلة مقدّرة، خلال مسيرته العسكرية والسياسية. ولكن وجد الملك عبدالعزيز نفسه مواجهاً بضرورة الاختيار الصعب: وهو ردع زعماء الإخوان، وإحباط تمردهم.
القضاء على حركة الإخوان
خـرج الملك عبدالعـزيز على رأس قوة من الرياض في 22 رمضان 1347هـ/ 5 مارس 1929م، وقصد مدينة بريدة. فأقام بها، حتى لحقه ابنه الأمير سعود ببقية القوات. وعند وصول الأمير سعود إلى النبقية، من قرى القصيم، خرج إليه والده الملك عبدالعزيز من بريدة، وتجمعت لديه حشود من حضر نجد، ومن بوادي حرب وقحطان وسبيع من الإخوان، وقسم من عتيبة. وارتحل الملك مع قواته إلى الزلفي، لمقابلة قوات الإخوان. وكانت قوات الإخوان التابعة لكل من ابن بجاد وفيصل الدّويش، قد تحركت بدورها صوب الأرطاوية، وبلغ قوامها أربعة آلف مقاتل. وبقي ضيدان بن حثلين ومعه العُجْمان في الأحساء، متمردين من ناحية الشكل ولكنهم لم يبذلوا جُهْداً للمشاركة في مواجهة عسكرية مكشوفة. وتمركزت قوات الفريقين على بعد عدة أميال من بعضها بعضاً، في ساحة منبسطة لا يعترضها سوى ارتفاعات طفيفة في سطح الأرض، في منطقة تُسمى "روضة السّبَلَة"، تقع بين عاصمة الإخوان في الأرطاوية، وبلدة الزلفي إلى الشرق منها.
وبدأت الفرقتان المتعارضتان تستقران، كلٌّ في معسكره، ولم يكن هناك إيحاء بقرب وقوع أي اشتباك. وبدأت مفاوضات بين الطرفين. وفي البداية، أرسل الملك عبدالعزيز شيخاً وقوراً، هو الشيخ عبدالله العنقري، أحد علماء نجد البارزين، إلى معسكر الإخوان، لمحاولة إقناعهم بالرضوخ للتحكيم، القائم على الشريعة. وباءت هذه المحاولة بالفشل. ثم أرسل سلطان بن بجاد مساعده الشيخ ماجد بن خثيلة، ومعه رسالة إلى الملك عبدالعزيز. وانتهت هذه المحاولة، كذلك، إلى الفشل .
وبعد أن فشلت محاولات الشيخ العنقري وابن خثيلة، حضر فيصل الدّويش نفسه إلى معسكر الملك عبدالعزيز. وتزعم بعض الروايات، أن فيصل الدّويش وعد الملك عبدالعزيز، أنه سوف يرسل إليه رد الإخوان المتمردين على مطالبه في تلك الليلة، ولكن لم يصل أي رد. وقد أوردت جريدة أم القرى الواقعة، على النحو الآتي: "وآخر الأمر قدم إلى جلالته فيصل الدّويش، ليفاوض جلالته بالعفو والصفح عن المجرمين. فأعطاه جلالته أماناً على رقابهم وأموالهم، وأن يحكم الشريعة في أعمالهم، فسار الدّويش على أن يرسل الجواب من ليلته فلم يرسل" . وهناك بعض الروايات تقول: إن الدّويش لم يقسم على الولاء للملك عبدالعزيز فحسب، وإنما وعد بمحاولة إقناع ابن بجاد بالتخلي عن التمرد. وأنه إذا لم ينجح في ذلك، فسوف يعود مسالماً إلى الأرطاوية.
موجز مختصر:
في عام 1330هـ/ 1912م، تأسست "الأرطاوية أولى هذه الهجر، وعُرف سكانها بـ "الإخوان"، وهو المصطلح، الذي أُطلق على البدو سكان الهجر.
من هؤلاء البدو، سكان الهجر، تكونت النواة الأولى لجيش من المجاهدين، يُحركهم صِدْقُ العقيدة، وقوة الإيمان؛ جيش غير نظامي يتكفل بسلاحه ومعاشه، وهو جاهز عند الطلب. وهكذا ظهر "الإخوان" قوة عسكرية.
استثمر الملك عبدالعزيز هذا الجيش غير النظامي، ودفع به خلال مسيرته لتوحيد شبه الجزيرة العربية، وإخضاع قبائلها المتناحرة. ومضى الإخوان في معاركهم الظافرة، حتى اكتمل النصر بفتح الحجاز، وزوال حكم الأشراف عنه.
وعندما أحس الإخوان بقوتهم العسكرية، واعتماد الدولة عليهم، أخذ نفوذهم يزداد مستمدين قوتهم من تعصب ديني يرفض كل تحديث وتمدن، باسم البدعة والضلال، بل يعدون كل من ليس منهم، أو مؤمناً بأفكارهم، كافراً حلال دمه وماله.
أدى موقف الإخوان المتشدد إلى المواجهة بينهم وبين الملك عبدالعزيز، عندما خرجوا على سلطان الدولة وشرعيتها، وعمدوا إلى إيقاف التطور العصري اللازم لمسيرة الدولة. فرفضوا استخدام الهاتف واللاسلكي والسّيارة والطائرة، وعدوا ذلك من أعمال السِّحر والسَّحرة، ورجسٌ تجب محاربته شرعاً. وتحول التشدد إلى تمرد، قاده ثلاثة من زعمائهم هم: فيصل الدّويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين.
وفي عام 1347هـ/ 1928م عندما بلغ عصيان الإخوان مداه، دعى الملك عبدالعزيز إلى مؤتمر عام عُرف "بالجمعية العمومية"، انعقد في الرياض. وفي هذا المؤتمر واجه الملك عبدالعزيز الإخوان بسوء تصرفاتهم، وانتهى المؤتمر بتأييد العلماء للملك عبدالعزيز، ومن ثم جدد المؤتمر البيعة للملك عبدالعزيز إماماً وقائداً.
لم يلتزم زعماء الإخوان بمقررات مؤتمر الرياض، ومضوا في مسلكهم المناوئ لسياسية الدولة، والمتمثل في مهاجمة حدود العراق، والقبائل التي تقيم على أطراف الحدود، فضلاً عن مهاجمة مخافر الشرطة العراقية والاعتداء عليها، ومهاجمة القوافل وترويع الآمنين. ونشر الذعر وعدم الأمان، مما قلل هيبة الدولة، وأظهرها بمظهر العجز والضعف.
بلغت الأحوال حداً من التردي، أدرك معه الملك عبدالعزيز أن مواجهة الإخوان بالحسم والردع، أصبحت أمراً لابدّ منه. خاصة وأن نقض زعمائهم لتعهداتهم، أضحى سمة غالبة لكل مواثيقهم، التي أبرموها معه.
في 19 شوال 1347هـ، قاد الملك عبدالعزيز هجوماً على تجمعات الإخوان في روضة السّبَلَة، وقضى عليهم وفرق شملهم، في معركة عُرفت باسم "السّبَلَة".
لم تستأصل معركة السّبَلَة جذور تمرد الإخوان، ولم تقضِ على حركتهم تماماً، وعاودوا التمرد مرة أخرى، بعد أن أعادوا تشكيل جموعهم.
عقد الملك عبدالعزيز في صفر 1348هـ، مؤتمراً في الدوادمي وآخر في الشعراء، ثم وجه جيوشه إلى معركة فاصلة وحاسمة هذه المرة، ومضى يطارد الدّويش وجماعة الإخوان.
أدرك الدّويش أنه يواجه جيشاً لا قبل له به، فأرسل يطلب العفو والأمان من الملك عبدالعزيز، ولكن الملك عبدالعزيز تجاهل طلب الدّويش، وتوجه إلى الشوكي، عابراً صحراء الدّهناء والصمان، لقتال قوات الإخوان المتجمعة في سهل "الدبدبة".
لجأ الدّويش واتباعه إلى حدود العراق والكويت طلباً للنجاة. فكتب الملك عبدالعزيز إلى المندوب البريطاني في الكويت يستنجزه وعده بعدم حماية الدّويش، حسب الاتفاق الموقع بينهما.
عاهد البريطانيون الملك عبدالعزيز على تسليم المتمردين إليه، شرط الإبقاء على حياتهم. وبالفعل في 28 شعبان 1348هـ نُقل المتمردون إلى أحد المهابط الجوية، بالقرب من خَبَاري وَضْحَا ـ التي كان الملك معسكر بها ـ تقلهم إحدى الطائرات الحربية البريطانية.
وفي 2 رمضان 1348هـ، أُودع زعماء الإخوان الثلاثة السجن؛ وقد أبقى الملك عبدالعزيز على حياتهم براً بوعده.
وبذلك أُسدل الستار على حركة الإخوان، التي دامت عقدين من الزمان. وكان يمكن لها أن تزدهر وتنمو على أُسس سليمة، من العقيدة والالتزام؛ وأن تتطور وتتقدم رافعة راية العلم والإسلام. ولكن عدداً من الأسباب، من أهمها الإيغال في الدين بغير رفق، إضافة إلى الجهل وضيق الأفق بمتطلبات العصر، وضرورة الأخذ بأسباب التقدم والرقي، أديا إلى خروج الحركة عن خطها الصحيح. كما أن زعماء الإخوان كانت لهم أطماعهم السياسية، التي استغلوا من أجل تحقيقها، العاطفة الدينية، البسيطة النقية، لأتباعهم. فضلاً عن أنّ وقوفهم ضد تيار التقدم والعلم، لم يكن أمراً مقبولاً.
إن النظرة إلى هذا الحدث ببعد أعمق، ورؤية أشمل، تكشف عن حقيقة أكبر وأهمية أعظم من أنه انتصار عسكري على تمرد أو عصيان. ذلك أن هؤلاء الإخوان هم رفقاء السلاح، وجيش التوحيد، ومن حملوا مع الملك عبدالعزيز المسؤولية حتى استقام أمر الدولة، واستتب الأمن في أرجاء شبه الجزيرة العربية. إذن، كانت لهم ـ بكل المقاييس ـ دالة على الملك وعلى تأسيس مُلكه.
وهكذا، فإن حركة الإخوان، التي بدأت نقية طاهرة مجاهدة، انتهت، عندما انحرفت عن وجهتها الصحيحة، إلى ضرب من السّلب والنهب والخروج على شرعية الدولة وسلطانها؛ وكل ذلك كان عاملاً حاسماً في ردع الملك عبدالعزيز لزعمائها، ووضع حدِّ لعصيانهم وتمردهم.
إن قرار الملك عبدالعزيز بالتصدي لحركة الإخوان والقضاء عليها، لم يكن قراراً عسكرياً فحسب، بل عمل إستراتيجي لإرساء دعائم الدولة السعودية الحديثة. فالملك عبدالعزيز نفسه، هو الذي أنشأ هذا التنظيم ورعاه، وأعده قوة تجاهد في سبيل الله، وترفع راية التوحيد، وهو ما قامت عليه الدولة السعودية، منذ أن تعاهد، الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة الدّين، وتمكّنا بالقرآن والسيف، من إعادة الناس، في وسط شبه الجزيرة العربية، إلى جادة الصواب، إلى حقيقة الإسلام وجوهر التوحيد، وتأسيس الدولة السعودية الأولى. وقد أبلت الحركة بلاءً حسناً، في الحروب التي شاركت فيها نُصْرةً للملك عبدالعزيز، وكان يسعها الاستمرار، لولا تطرفها، ومحاولة جرّ الملك وراءها في هذا التطرف، حين طالبته بمعاداة الشرق والغرب، وعدم إدخال وسائل الحياة الحديثة إلى البلاد. وبدأت تتدخل في شؤون الحكم، اعتماداً على قوّتها ونفوذها، واعتقاداً منها، أن الملك عبدالعزيز، لن يجرؤ على معارضتها. هنا، كان القرار الصعب: إمّا الدفاع عن كيان دولة عصرية، ذات مقومات ومبادئ وأهداف، أو الخضوع للأهواء والرغبات. فاختار القائد الخيار الأول.
وتظهر حنكة الملك عبدالعزيز، وبعد نظره، عندما فضّل خيار المواجهة مع الإخوان، والقضاء عليهم، لأنه أدرك أن طريقهم أصبح غير طريقه. فهم ماضون في الثورة، مطالبون بها، بينما كانت المرحلة تحتاج إلى بناء الدولة، بمعنى أن استمرار الثورة، ممثلاً في الجناح المتطرف للإخوان، كان يعني القضاء على الثورة والدولة معاً.
-------------------------
فتوى علماء نجد، في شأن تعصُب الإخوان ومخالفتهم الشرع
من عبدالله بن عبداللطيف، وحسن بن حسين، وسعد بن حمد بن عتيق، وعمر بن محمد بن سليم، وعبدالله بن عبدالعزيز العنقري، وسليمان بن سحمان، ومحمد بن عبداللطيف، وعبدالله بن بليهد، وعبدالرحمن بن سالم
ـ إلى كافة الإخوة، من أهل الهُجَر وغيرهم، وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، وجعلنا وإياهم من حزبه وأوليائه. آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد ذلك: تفهمون ما منّ الله به علينا وعليكم، من نعمة الإسلام، وتجديد هذه الدعوة. والذي علينا وعليكم شكر الله، واتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه. ولا يخفاكم ما جرى من الاختلاف، وكثرة الشُّبه، وهي على ثلاثة أمور.
الأول: وهو الأكثر، طلب الخير، والاجتهاد، ووقوع الناس في أمور تخل في دينهم ودنياهم، لأنهم يأتون ذلك محبة للدين، بغير دليل.
والثاني: أنه لا بدّ في بعض الإخوان المتقدمين شدة وتعصب، بغير دليل. فلما تبين له الأمر، وسأل طلبة العلم، وتحقق عنده أن تعصبه خطأ، ورجع عن أمره الأول، استنكر منه إخوانه، وصار بينه وبينهم اختلاف، بغير سؤال، ولا تبيُّن حقيقة ما عنده.
والأمر الثالث: أن هناك أناساً، من الذين يدّعون طلب العلم، من الحضر، وهم جهال، يُدخلون على بعض الإخوان أموراً مشتبهة. أحد منهم يريد الحق، وهو مخطئه. وأحد قصده يُعرَف بالأمور المخالفة. فلما تحقق ذلك، عند ولاة الأمور وعند العلماء، أحبوا اجتماع المسلمين مع علمائهم وولاة أمورهم. (فلمَا حضر أسمع الحاضر بنفسه) ، والغائب نبلغه بهذا الكتاب. فقد سأَلَنا الإمام عبدالعزيز، بحضرتهم، عن أمور،
الأول: هل يُطلق الكفر على بادية المسلمين، الثابتين على دينهم، القائمين بأمور الله ونواهيه، أم لا؟
والثاني: هل في لابس العقال، ولابس العمامة، فرق تفاوت، إذا كان معتقدهم واحداً، أم لا؟
والثالث: هل في الحضر الأولين، وفي المهاجرين الآخرين فرق، أم لا؟
والرابع: هل في ذبيحة البدوي، الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وفي ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين، فرق حلال أو حرام، أم لا؟
والخامس: هل للمهاجرين أمر أو رخصة، فيعتدوا على الناس، الذين لم يهاجروا، يضربونهم، أو يتهددونهم، أو يؤدبونهم، أو يلزمونهم بالهجرة، أم لا؟
وهل لأحد أن يهجر أحداً، بدوياً أو حضرياً، بغير أمر واضح، إما كفر صريح، أو شيء من الأعمال، التي يجب هجره عليها، بغير إذن وليّ الأمر أو الحاكم الشرعي؟ فأجبناه، بحضور الحاضر من المسلمين،
أن كل هذه الأمور مخالفة للشرع، ولا أمرتْ بها الشريعة. وأن الذي يفعلها يُنهى عنها، فإن تاب وأقر بخطئه، فيُعفى عنه. وإن استمر على أمره وعاند، فيجب عليه التأديب الظاهر، بين المسلمين. وأن جميع ما يأمر به، أو يَنهى عنه، أو يُعادي أو يُصادق، على غير ما أمرت به الولاية، ولا حكم به الحاكم الشرعي، أن الذي يفعله مخالف للشريعة، وطريقته غير طريقة المسلمين. وهذا الذي ندين الله به، ونُشهد الله عليه، نرجو الله أن يوفقنا وإياكم للخير. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
1337هـ = (1919م) - (ختم)
- حسن بن حسين
- سعد بن حمد بن عتيق
- عمر بن محمد بن سليم
- عبدالله عبدالعزيز العنقري
- سليمان بن سحمان
- محمد بن عبداللطيف
- عبدالله بن بليهد
- عبدالرحمن بن سالم
- عبدالله بن عبداللطيف
-------------------------
الملحق الرقم (3)
مناصحة الملك عبدالعزيز لفيصل الدّويش
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، إلى جناب الأخ المكرم الأفخم، فيصل الدّويش ـ سلمه الله تعالى ـ آمين. بعد مزيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام، خطك وصل، وما عرفت، كان معلوماً، خصوصاً امتثالكم لأمر الله، أنتم والشيخ. هذا أمر من عنوان سعادتكم، ولا، والله، نرى فيه حقاً غير ذلك، وليس هناك من أحد، يدعي أنه مطيع الله، إلاّ الذي تظهر عليه إشارات الحق والخير، بتقديم العلم وأهله. وأنت، يا أخي، لا تهتم لأحد في هذا الأمر. الأول: يكون عندك معلوماً، أن صاحب الحق منصور ـ إن شاء الله ـ وما قمت به تريد به النجاة عند ربك، وامتثال أمر علماء المسلمين. الثاني: اذكر وصاياي لك دائماً، كلمّا قابلتك. واعرف أن من أحبك في دين الله، تراه ما ينصحك إلاّ بقوله قدّم الشريعة، واسأل أهل العلم وعاضدْهم، وانصحْ أهل الجهل وادقمهم (أي: اردعهم وعاقبهم). وترى هؤلاء الناس، الذين يقومون تبع كل ناعق، ترى فيهم أمرَين، الأول: حروة (أي: توقُّع) أن الله يسلط بعضهم على بعض، في حياتهم، لأن هذي من عادة الله، يكفي المسلمين الشر، ويرده على أهله. والثاني: حجة يوم القيامة على من ساعدهم، ويتبرأ بعضهم من بعض. ولا يقطع عقلك، يا فيصل، يا أخي، أن على الإسلام وأهله، أضر من أهل الجهل والبدع، إذا صاروا في قلب المجتمع. أما من قبلي أنا، فصحيح أنك أخي، وتعرف مقامك عندي. ولكن ذلك يحتمل ديناً ودنيا. لكن إذا أردت أن تعرف قلبي وقالبي، وما أنا عليه، وما أنا فاعله، فمثل ما عرفتك، سابقاً ولاحقاً، فأنا خادم لأهل العلم، والله بحوله وقوّته ـ إن شاء الله ـ لأُمضي ما قالوا، وأحب من أحبوا، وأبغض من أبغضوا، وأمضي أمرهم على نفسي وعيالي ومن أحب. وأنت ـ إن شاء الله ـ اغدُ (أي: صِرْ) مثل ما قال راعي المثل، إذا كان الذي بيني وبين الله عامراً، فعسى الذي بيني وبين العالمين خراب. أيضاً يكون عندك معلوم، إذا كان الله معك، فمن تخاف؟ فإذا كان عليك، فمن ترجو، أيضاً؟ اعرف وصية أهل الخير بعضهم لبعض، والاقتداء بقول الرسول ـ من اتخذ رضى الله بسخط الناس، رضي الله عليه، وأرضى عليه الناس. ومن اتخذ رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس. اتق وجهه، يكفك الوجوه. فأما من جهة ما ذكرت، فنحن جاعلوه على ال بال. نصايح المشايخ واصلتكم، وخطنا واصلكم، وأهل الهُجَر عرّفناهم. ومن طرف الربع (القوم)، الذين ظهروا من كم، ما جاءونا. لكن يذكر لنا ابن أخي ابن نهير، أنهم في مبايض يدورون (أي: يبحثون) لهم بيوتاً. وأنا عرفت أهل مبايض من رأسي، وكتبت لهم خط، أنهم ما يستلفونهم (أي: يستقبلونهم)، لا هم، ولا غيرهم. ومن قبل العزيز، فحنا مخلينه في بريدة مريضاً، وقايل يبي (أي يريد) يجي (أي: يأتي) لنا. ولكن تعرف ما يخلي (أي: يترك) طبعه. أما من قبل الربع، الذين هم عندنا، فكثروا الهرج على الناس، ويقولون ما قيل، كذباً علينا. ونحن نشهد الله على حب ولاية المسلمين وعلمائهم، وجواب من هذا كثير، أتلى (أي: آخِر) ما جوني وقالوا: حنّا (أي: نحن) مير نبي (أي: نريد) المشايخ يقومون علينا الحجة، إن مكذوب علينا. ونبيهم (أي: نريدهم) يرضون علينا. وجمعت المشايخ لأجل أتحرّى (أي: استقصي) الذي بخواطرهم. ولما جمعتهم وقلت هؤلاء هذا جوابهم، لعلكم تتكلمون معهم، لأنك تعرف طبعي. ولما ذكرت ذلك للمشايخ، تأثروا وقالوا لا يأتونا، ولا يكلمونا، نحن، من فضل الله، ما عندنا رأي يخالف رأي المشايخ الذين عندهم، فمن رضوا عنه رضينا عنه، ومن غضبوا عليه غضبنا عليه. هذي مقالة المشايخ. هذا ما لزم تعريفه، بلِّغ السلام الشيخ والعيال، ومنا سيدي الوالد، والإخوان، والعيال يسلّمون، ودمتم محروسين.
16/ شوال/ 1339هـ = (1921)
----------------------------
الملحق الرقم (4)
فتوى العلماء في بعض القضايا، التي أثارها الإخوان
من محمد بن عبداللطيف، وسعد بن حمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وعبدالله بن عبدالعزيز العنقري، وعمر بن محمد بن سليم، وصالح بن عبدالعزيز، وعبدالله بن حسن، وعبدالعزيز بن عبداللطيف، وعمر بن عبداللطيف، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبدالله، وعبدالله بن زاحم، ومحمد بن عثمان الشاوي، وعبدالعزيز بن محمد الشثري
ـ إلى من يراه، من إخواننا المسلمين، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وجنّبنا وإياهم طريق أهل الجحيم. آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد ورد على الإمام ـ سلمه الله ـ سؤال من بعض الإخوان عن مسائل، وطلب منّا الجواب عنها، فأجبناه بما نرى.
ـ أما مسألة البرقي، فهو أمر حادث، في آخر هذا الزمان، ولا نعلم حقيقته، ولا رأينا كلاماً عنه من أحد من أهل العلم. فتوقفنا في مسألته، ولا نقول على الله ورسوله، بغير علم. والجزم بالإباحة أو التحريم، يحتاج إلى الوقوف على حقيقته.
ـ وأما مسجد "حمزة" و"أبو رشيد" فأفتينا الإمام ـ وفّقه الله ـ أنهما يهدمان، على الفور.
ـ وأما القوانين، فإن كان موجود منها شيء في الحجاز، فيُزال فوراً، ولا يُحكم إلاّ بالشّرع المُطهّر.
ـ وأما دخول الحاج المصري بالسلاح والقوة، في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول بالسلاح والقوة، ومن إظهار جميع المنكرات.
ـ وأما المحمل، فأفتينا بمنعه من دخول المسجد الحرام، ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يقبّله. وما يفعله أهله من الملاهي والمنكرات يُمنعون منها. وأما منعه عن مكة، بالكلية، فإن أمكن بلا مفسدة تعيّن، وإلاّ فاحتمال أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما، ثابت، شرعاً.
ـ وأما المكوس، فأفتينا الإمام، بأنها من المحرمات الظاهرة. فإن تَرَكَها، فهو الواجب عليه. وإن امتنع، فلا يجوز شق عصا المسلمين، والخروج عن طاعته، من أجْلها.
ـ وأما الجهاد، فهو موكول إلى نظر الإمام. وعليه أن يراعي الأصح (أي الصحيح) للإسلام والمسلمين، على حسب ما تقتضيه الشريعة الغراء.
نسأل الله لنا وله، ولكافة المسلمين، التوفيق والهداية. وصلى الله على نبينا، محمد، وآله وصحبه وسلم.
3/ رمضان/1345هـ = (مارس 1927م) - (أختام)
- محمد بن عبداللطيف /سعد بن حمد بن عتيق /سليمان بن ناصر بن سحمان /عبدالله بن عبدالعزيز العنقري /عمر بن محمد بن سليم /صالح بن عبدالعزيز /عبدالله بن حسن /عبدالعزيز بن عبداللطيف /عمر بن عبداللطيف /محمد بن إبراهيم /محمد بن عبدالله /عبدالله بن زاحم /محمد بن عثمان الشاوي /عبدالعزيز بن محمد الشثري
=================
قائمة المصادر والمراجع
أولاً: المراجع
أحمد عبدالغفور عطار، "صقر الجزيرة"، 7 أجزاء بيروت، ط 4، 1397هـ/ 1997م.
أمين الريحاني، تاريخ نجد الحديث وسيرة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود، ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، بيروت، ط8 ، د.ت ، وصدرت طبعته الأولى عام 1928.
أمين الريحاني، "ملوك العرب"، دار الجيل، بيروت، ط 8، ج 2، د. ت، وصدرت طبعته الأولى عام 1929.
جون س. حبيب، "الإخوان السعوديون في عقدين"، ترجمة صبري محمد حسن، دار المريخ للنشر، الرياض، ط1، 1419هـ/ 1998م.
حافظ وهبة، "جزيرة العرب في القرن العشرين"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 3، 1956.
خيرالدين الزركلي، "شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز"، 4 أجزاء، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 1997.
عبدالعزيز بن عبد المحسن التويجري، "لسراة الليل هتف الصباح"، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، ط 1، 1997.
عبدالله الصالح العثيمين، "معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد"، مطابع العبيكان، الرياض، ط 1، 1419هـ/ 1998م.
عمر بن غرامه العمودي، "المعالم الجغرافية والتاريخية لمواقع الملك عبدالعزيز الحربية"، دار الطاوي للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1406هـ/ 1985م.
سعود بن هذلول، "تاريخ ملوك آل سعود"، ط 2، الجزءان الأول والثاني، الرياض، 1402هـ/ 1982م.
محمد جلال كشك، "السعوديون والحل الإسلامي"، شركة مودي جرافيك، لندن، 1981.
محمد بن عبدالله العبدالقادر الأنصاري الأحسائي، "تاريخ الأحساء"، شركة الرياض للنشر، الرياض،1960.
محمد المانع، "توحيد المملكة العربية السعودية"، ترجمة د. عبدالله الصالح العثيمين، ط 1، مطابع المطوع، الدمام، 1402هـ/ 1982م.
ثانياً: الصُحف
1. جريدة أم القرى، مكة المكرمة، الأعداد:
الرقم 126، الصادر في 9 ذي القعدة 1345هـ.
الرقم 208، الصادر في 6 رجب 1347هـ.
الرقم 224، الصادر في 2 ذي القعدة 1347هـ.
الرقم 239، الصادر في 14 صفر 1348هـ.
الرقم 252، الصادر في 15 جمادى الأول 1348هـ.
الرقم 294، الصادر في 29 صفر 13
______
منقول من هنا وهناك بتصرف يسير