الافداوي وسلطان المروءة عند العرب
-----------------------------------------
الافداوي شخص ابتعد (مكرها) عن اهله وموطنه واخفى شخصيته الحقيقيه وربما تنازل عن مكانته الاجتماعيه لظروف قهريه اولتحقيق مطلب مستعصي والتجأ الى بيت اخر من بيوت العرب على امل ان تنتهي هذه الظروف ا و يتحقق المطلوب.
ويعتبر العرف السائد في نظام الفداوي من اجمل الاعراف بل الجانب الانساني المشرق عند العرب حيث يحظى صاحبه بحقوق انسانيه لاتتوفر في عصرنا الحالي في حق اللجؤ السياسي وجمعيات حماية حقوق الانسان من اهمها عدم سؤاله عن حقيقة شخصيته اوالاسباب التي جاء بسببها او من اجلها ويعامل كاحد افراد اهل البيت ويشاركهم الاكل والشرب وشئونهم اليوميه وغالبا مايؤكل له عمل القهوه وتقديمها للضيوف وجلب الحطب والماء او القيام بوظيفة الراعي وما شابه ذلك مشركة منه طوعا لا كرها.
في ظروف معيشة الصحراء القاسيه يحدث ان يتعرض شخص لاحدى المصائب او النكبات الكبرى ممايضطره لمغادرة الاهل والدار ويلجأ عند شخص اخر غالبا بعيد (نسبيا) عن ديرته وقبيلته وهذا النوع من الفداويه تكون المصلحة شخصيه اما الوجه الاخر من الفداويه فهو عندما يلجأ مظلوم مسلوب الحق لاحول ولا قوة ولاسبيل لديه لاسترداد حقه او عاشق تمكن منه سلطان الهوى ولا حول ولا قوة ولاوسيلة له للزواج ممن احب لانسداد وانغلاق الطرق في وجهه فيقوم باللجؤء الى شخص اخر له مكانه اجتماعيه مرموقه ومشهوره كأن يكون احد الشيوخ البارزين او الفرسان المشهورين اواحد كرماء العرب ذائعي الصيت فيرمي بنفسه في بيته طالبا مساعدته شاحذا مرؤته مبينا انه ما اتى اليه الا عندما انعدمت كل الوسائل وان حياته يتهددها خطرا حقيقيا اذا لم يتحقق مبتغاه .
يقوم الاخيروهو الشيخ او الامير او الفارس او الكريم امام هذه البلوى التي وضعته في امتحان امام الصفات الحميده التي يتحلى بها العربي من شهامه ومرؤه ونجده الملهوف والمنكوب فيتنازل عن حقيقه شخصيته ومنزلته ويتقمص شخصيه الافداوي ويلجأ الى بيت من بيديه الحل ويبقى حتى تأتي الظروف المناسبه التي تمكنه من تحقيق مطلبه.
قصص الفداويه كثيرة وشهيره لدى العرب الرحل ولها وقعها الخاص وخاصه النوع او الوجه الاخر منها لماتحمله من معاني النجده والشهامه والمرؤه المحببه لديهم .
الان وبعد هذه المقدمه البسيطه والمختصره اقدم اليكم اخواني احدى قصص الافداويه وهي قصة الشيخ خلف بن دعيجاء ومحيسن السرحاني .
اشتهر الشيخ خلف بن دعيجا بالكرم والشجاعة كما اشتهر ببذل مساعيه الحميده واصلاح ذات البين والجمع بين المحبين باتمام الزواج بعد ان اصبح قريب من المستحيل .
وتأبى مرؤة العربى الا ان تستجيب
------------------------------------
في احد الايام وبينما الشيخ الكريم في بيته المجهز دائما لاستقبال الضيوف والترحيب فيهم اذا بشخص يحط برحاله امام بيته وعليه من اثار التعب والمشقه والهموم ماعليه وبعد الترحيب وبعد تقديم القهوه وواجب الضيافه تقدم الضيف (طبعا من دون ان يسأله المعزب ) بهذه القصيده فيها تفصيل قضيته ومطلبه وانه مستغيث طالبا مد يد العون بعد ان اخذ الياس منه كل ماخذ حيث اتضح انه محيسن السرحاني الذي هام بحب وغرام ابنة احد الشيوخ من قبيلة اخرى وحال دون زواجه ممن احب الاعراف السائده وقتها من تحجير ابناء العم وغير ذلك حيث قال محيسن .


يا راكب حمرا من النـي تبنـي === ومرودوم غير الدفـوف السنـامي
ترعى زهر نوار بـرق جذبنـي === مرباعها ما بين شـرق وشـامي
وعيونها جمر الغضـا يلتهبـن === والا سـراج مروطنيـن الكـلامي
تلفي لبيت كنـه الحيـد مبنـي = == راعيه قطاع الفـرج والمظامـي
لا يا خلف يكفيك هـم ركبنـي = == حيثك على الشدات رجل تحامـي
غش العراق الله يجيرك ضربني= ==وقام يتساوق مع مفاصل عظامي
على حبيب بالموده سلبني === سلبة عباة في يدين الحرامي
اتضحت للشيخ القصة ومافيها فالرجل تمكن منه سلطان الغرام حتى اصبحت حالته كحال من اصيب بمرض حمى الملاريا القاتل في ذلك الوقت لعدم توفر العلاج ( ماهو مثل اليوم الحمد لله المستشفيات في كل بلد وقريه ) كما انه ياس من استجابة اهلها لطلبه بل ربما على حياته خطر لومجرد اقترب منهم .
فكر الشيخ قليلا ومر من امام ناظره حجم المشكله وابعادها فاهل المحبوبه اعداء له وبينه وبينهم خرط القتاد وعلى الشيخ نفسه الخطر لو وقع في ايدهم ومن الجهة الاخرى الضيف او اللاجي لا يرضى بشيئ غير تحقيق مطلبه وقد رمى بكل ثقله واناخ رحاله بعد تعب ومعانة وجهد جهيد في بيته طلبا لمرؤته وجاهه ووجاهه وامام ذلك عرض الشيخ على ضيفه حلا بديلا اذا قبل فيه له الخيار في ذلك فقال له
***************************
قيفان من صدر الفهيـم انهذبـن===لولو ومرجـان مـلاوي كلامـي
يا راكب اللـي للبلـد مـا جلبـن===قطم الفخـوذ معربـات الاسامـي
ما لا فتن عند أول الـذود لابـني===ملافتـن للحشـو يـوم الفطـامي
من نسل هرش بالهدد له يجبـن===يطلق عليهن يوم كـل ينـامي
ما قيظـن يرعـن رمـام وتبـن===ولا صفر قاع الجـوا والوخـامي
مرباعهـن فيحـان ثـم اقتلبن====يرعن زهر نوار عشب الوسامـي
يلفن على اللي بين ربعي ندبني====يـا جايبيـن العلـم دمتـم ودامي
إن كـان ذودي للحبيـب يجبـن====دونك نياقـي قـد لهـن بالتمـامي
دونك قعود البيت والبيت وابنـي====وقوله العقـلا علينـا حـرامي
مع بندق لفظـات فمهـا يصبـن====ولها على الضد المناحـر مـرامي

لقد عرض عليه ماله وبيته وابنه وبندقيته وبدون اي منه حتى قولة الله يخلف علينا من خوف يصير بالخاطر منها شيئ اذا كان في ذلك تحقيق مطلبه واعفاءه من مغامره غير مضمونة العواقب.
ولكن الضيف والذي اصبح الان دخيل ولاجاءا ولائذا في حماءه ومرؤته لم يرضى بهذا العرض السخي والكريم وانما الح على تحقيق طلبه بالجمع بينه وبين من احب ولا شيئ غير ذلك ولن يبرح هذا البيت حتى يتحقق الطلب او يموت.
يالها من كارثه ويالها من طامه لا يعرف مداها لا من تعرض لها في ظل تلك الظرف الصحراويه القاسيه والعادات والتقاليد الصارمه . لقد اصبح هذا الشيخ الكريم صاحب المروؤه والنخوه بين قطبي الرحاء فاما ان يعتذر لطالب نصرته ومستصرخه وهذا مالم يعتاد عليه وما ترفضه شيمته العربيه الاصيله التي جبل عليها واما ان يغامر بحياته وبكل مايملك بمافيها منزلته الاجتماعيه في سبيل سعاده ضيفه ومستجيره وهو اهون الشرين عنده لذلك قرر ان يتخفى ويتنكر ويحل افداويا عند اهل البنت بينما يجلس محيسن في بيت الشيخ معززا مكرما حتى عودة الشيخ او هلاكه .
ذهب الشيخ خلف بن دعيجا وهواحد كبار شيوخ قبيلة الشرارات ومن مشاهير العرب في كرمه وشجاعته ومروءته واصبح مجرد شخص غير معروف لاجئ يقوم باعمال الخدمه ويؤمر عليه من قبل اصغر القوم وهو ذلك الذي عرفنا عنه من منزله وعز وجاه ولكن من اجل عين تكرم مدينه والامر غلاب ولاحول ولا قوة الا بالله .
مضت الايام وتتابعت الشهور ومضت السنه ولم يلوح بالافق اي بادرة امل او سبب مقنع اوفرصة ذهبيه يستغلها حتى يدخل منها الى تحقيق مطلبه يتضح ذلك من قوله لاحدى قصائده ومنها .
أنا بلون النـاس وأنـا تبلويـت= == = وصارت عليه من كبار البـلاوي
ذا لي ثلاث مية وخمسين مضيت= == وأنا بسبــبها عند أهلها فداوي
ولكن ربك كريم ومن صبر قدر والصبر محمود العواقب كما قال الشاعر
الصبر زين وفيه مقضات ثنتين === تكسب جميل وتاخذ الحق وافي
ففي ذات يوم حدث عند معازيبه من حوادث ذلك العصر وهي كثيره ولا سيما الكارثي منها مما راه الشيخ خلف (الفداوي لحظتها)
فرصة مناسبه سنحت له يجب استغلالها وعدم تفويتها فتقدم وفعل فعلا لفت اليه الانظار واسدى لمعازيبه معروفا تابى شيمهم واخلاقهم العربيه الاصيله الا ان يكافئوه عندها كشف الشيخ خلف عن شخصيته الحقيقيه والاسباب التي حدته على عمل مافعل .
والعرب ايها الساده الكرام تقدر الاعمال البوطوليه والافعال الطيبه وتجلها كيف لا وهذا خلف بمنزلته الكبيره يعمل لديهم مايقارب السنه افداويا لاجل تحقيق مطلب شخص لجا اليه فلن يكونوا هم اقل منه مروءة وكرما فاستجابوا لطلبه بعد ان اكرموه بما يليق بمنزلته واعطوه معشوقة محيسن واخذها وقفل راجعا ولكن المفاجئه كانت كبيره فان محيسن الذي طال انتظاره اعتقد ان الشيخ خلف قد هلك وانه فقد العشير والنصير فاسلم روحه لبارئها وكان من صرعى الغرام والعشق مثله مثل المطوع والدقيما ومن قبلهم المجنون وكثير عزة وجميل بثيته وغيرهم كثير .
نرجع لصاحبنا الشيخ خلف بن دعيجاء الذي ما ان وجد صاحبه محيسن قد فارق الحياه حتى قال وعلى وزن قافية قصيدته السابقه
البيض قبلك يا محيسـن سلبنـي===سلـب الهـوا لرهيفـات الخيـامي
البيض جعل البيض ما يرتجـني===هويهن ترمى عليـه التهامـي
يصلني بالبيـر مـن لا جذبنـي ===صل الرشا من فوق هدف المقـامي
محيسن على حوض المنايا عقبني= ==حثرب علي الجـمه قليـل الرحـامي
ثم عاد ادراجه واوصل البنت الى اهلها معززة مكرمه بعد ان قام بما عليه خير قيام ليذهب خلف الى ربه وتبقى ذكراه وقصته حية يتداولها الخلف من السلف الى ماشاء الله وياتي محبكم ابو عبد المجيد بعده بقرن او يزيد ليرويها باسلوب يجمع بين الشعبي والفصيح لعله ان يكون وفق في ذلك وسلامتكم وعسى عمركم يطول والسلام ختام.