للرواحل فقط
حتى لا ينكسر الغصن
الكبر خطير مدمر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، والتواضعُ عزيز ونفيس، ولما وصف الله تعالى جنده قال "أذلةٍ على المؤمنين"، والغصن الممتلئ هو الذي يتدلى، أما الفرع الأجرد فيستعلي ويشمخ، هذا ما أراد المربي أن يقره في نفوس تلاميذه طلاب التأدب والسمو، فحدثهم وأحسن الأداء، ومشى وتلاميذه مرةً في بستان مثمر فاستوقفه غصن ممتلئ متدلّي، فأمسك به والتفت إلى تلاميذه قائلاً: هكذا يتدلّى الممتلئ.
وكان بجانب هذا الغصن غصنُ آخر امتلئ حتى انكسر، فأمسك تلميذ نبيه هذا الغصن المنكسر المغمور بين إخوانه ورفعه وقال لأستاذه: لماذا انكسر هذا الغصن يا أُستاذي؟
فصمت المربي صمت المليء وانتابه شعور أنه على شاطئ من معانٍ عميقة ضاربة جذورها إلى أصول التضحية والإباء، وقطع هذا الصمت صوت التلميذ الأبيّ النبيه مكرراً سؤاله:
لماذا انكسر الغصن يا أستاذي الكريم؟
فوضع المربي يده على رأس تلميذه وقال وقد اغرورقت عيناه وتحشرج صوته:
" انكسر لأنه أراد أن يجود بذاته خدمة للآخرين …
انكسر لأنه لا يعرف الشح ولا البخل ولا الأنانية، بل سمته بذل النفس وإلغاء الذات…
انكسر ليؤكد للدنيا وللتاريخ أنه لا زال هناك من يجود بحياته من أجل الحق...
انكسر ليخيف أعداء الحق ويرهبهم حينما يرون أنه يوجد من يموت لتحيا مبادؤه، ومن يفنى ليعيش الحق، انكسر تقصيراً ممن حوله وقد نسوه قد حُمِّل فوق طاقته فلم يئن ولم يشتكِ ولم يلتفت ولم يطلب تخفيفاً فلم يُنتبه له ... حتى انكسر.
أعرفت لماذا انكسر الغصن أيها التلميذ الحريص ؟؟؟