حاول ( محمد ) أن يغير مجرى الحديث فسألها: وما دور أخواتك وإخوتك الآخرين؟
فقالت: إنه دور سلبي للغاية!!.. فالإخوان والأخوات المتزوجات كل منهم مشغول
بنفسه.. وإذا تحدثت معهم عن مأساتي.. سمعت منهم الجواب المعهود: وماذا ينقصك؟
احمدي ربك على الحياة المترفة التي تعيشين فيها.. وأما أخي غير المتزوج فهو مثلي
حائر تائه.. أغلب وقته يقضيه خارج المنزل مع شلل السوء ورفقاء الفساد.. يتسكع في
الأسواق وعلى الأرصفة!!
أراد الشيخ ( محمد ) أن يستكشف شيئا من خبايا نفسية تلك الفتاة.. فسألها: إن من
طلب شيئا بحث عنه وسعى إلى تحصيله.. وما دمت تطلبين السعادة والأمان الذي يسد
جوعك النفسي.. فهل بحثتِ عن هذه السعادة؟؟
فقالت الفتاة بنبرة جادة: لقد بحثت عن السعادة.. في كل شيء.. فما وجدتها!
لقد كنت ألبس أفخر الملابس وأفخمها.. من أرقى بيوت الأزياء العالمية.. ظنا مني أن
السعادة ستحصل حين تشير إلى ملابسي فلانة.. أو تمدحها وتثني عليها فلانة.. أو
تتابعني نظرات الإعجاب من فلانة.. لكنني سرعان ما اكتشفت الحقيقة الأليمة.. إنها
سعادة زائفة وهمية.. لا تبقى إلا ساعة بل أقل.. ثم يصبح ذلك الفستان الجديد الذي كنت
أظن السعادة فيه مثل سائر ملابسي القديمة.. ويعود الهم والضيق والمرارة إلى
نفسي.. وأشعر بالفراغ والوحدة تحاصرني من كل جانب.. ولو كان حولي مئات الزميلات
والصديقات!!
ظننت السعادة في الرحلات والسفر.. والتنقل من بلد لآخر.. ومن شاطئ لآخر.. ومن
فندق لفندق.. فكنت أسافر مع والدي وعائلتي.. لنطوف العالم في الإجازات.. ولكني كنت
أعود من كل رحلة.. وقد ازداد همي وضيقي.. وازدادت الوحشة التي أشعر بها تجتاح
كياني..
وظننت السعادة في الغناء والموسيقى.. فكنت أشتري أغلب ألبومات الأغاني العربية
والغربية التي تطرح إلى الأسواق فور نزولها.. وأقضي الساعات الطوال في غرفتي..
في سماعها والرقص على أنغامها.. طمعا في تذوق معنى السعادة الحقيقية.. ورغبة
في إشباع الجوع النفسي الذي أشعر به.. وظنا مني أن السعادة في الغناء والرقص
والتمايل مع الأنغام.. ولكنني اكتشفت أنها سعادة وهمية.. لا تمكث إلا دقائق معدودة
أثناء الأغنية.. ثم بعد الانتهاء منها.. يزداد همي.. وتشتعل نار غريبة في داخلي.. وتنقبض
نفسي أكثر وأكثر.. فعمدت إلى كل تلك الأشرطة فأحرقتها بالنار.. عسى أن تطفئ النار
التي بداخلي..
وظننت أن السعادة في مشاهدة المسلسلات والأفلام والتنقل بين الفضائيات.. فعكفت
على أكثر من ثلاثين قناة.. أتنقل بينها طوال يومي.. وكنت أركز على المسلسلات
والأفلام الكوميدية المضحكة.. ظنا مني أن السعادة هي في الضحك والفرفشة والمرح..
وبالفعل كنت أضحك كثيرا وأنا أشاهدها.. وأنتقل من قناة لأخرى.. لكنني في الحقيقة..
كنت وأنا أضحك بفمي.. أنزف وأتألم من أعماق قلبي.. وكلما ازددت ضحكا وفرفشة..
ازداد النزيف الروحي..
وتعمقت الجراح في داخلي.. وحاصرتني الهموم والآلام النفسية..
وسمعت من بعض الزميلات أن السعادة في أن ارتبط مع شاب وسيم أنيق.. يبادلني
كلمات الغرام.. ويبثني عبارات العشق والهيام.. ويتغزل بمحاسني كل ليلة عبر الهاتف..
وسلكت هذا الطريق.. وأخذت أتنقل من شاب لآخر.. بحثا عن السعادة والراحة النفسية..
ومع ذلك لم أشعر بطعم السعادة الحقيقية.. بل بالعكس.. مع انتهاء كل مقابلة أو مكالمة
هاتفية.. أشعر بالقلق والاضطراب يسيطر على روحي.. وأشعر بنار المعصية تشتعل
في داخلي.. وأدخل في دوامة من التفكير المضني والشرود الدائم.. وأشعر بالخوف من
المستقبل المجهول.. يملأ علي كياني.. فكأنني في حقيقة الأمر.. هربت من جحيم إلى
جحيم أبشع منه وأشنع..