عيسى الجوكم

السيف أصدق أنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب .. !!
ذاك هو قول المتنبي .. الذي ترجمه جمهور الهلال في أمسية الأمس .. فكان حضورهم الأخاذ في مدرجات استاد الملك فهد الدولي .. أصدق أنباء من كل الاستفتاءات التي أكدت أنهم رقم واحد في الأندية السعودية ..!!
وما بين (الجد واللعب) فقد نجح الهلال في التغلب على ظروفه الصعبة التي كادت تعصف به لولا انه فريق يمتلك شموخ الكبار الذين لا يعترفون بعوامل (التعرية) التي تنخر في أجساد الفرق فتحولها لأجسام متهالكة .. فقد بدل ذلك الشموخ طريق الشوك بإيقاف السويدي ويلهامسون العمود الفقري للأزرق .. وإصابة الروماني رادوي القوة الضاربة , والجبهة المدافعة ببسالة عن خط الدفاع والحراسة أثناء المباراة .. لطريق مفروش بالورود لخطف النقاط الثلاث وهي الأهم في مثل هذه المواقف ..!!
ما لفت نظري في الهلال ليس الفوز في الشوط الأول من مواجهة الغرافة القطري .. على أساس أن هناك شوطا آخر في دوحة قطر الأربعاء المقبل .. بل ما شدني أكثر هو الحالة الايجابية التي كان عليها الهلاليون وهم يمرون بأزمة حقيقية تتمثل في غياب نجمين مؤثرين بحجم ويلهامسون الموقوف ورادوي المصاب الذي غادر الملعب مبكرا لإصابته دون أن يقدموا الحجج الواهية قبل المنازلة الخليجية الكبرى التي حملت هذه المرة الهوية الآسيوية .. خصوصا أن الروماني رادوي كان مصابا قبل المواجهة واحتمالية عدم مشاركته كانت واردة بنسبة كبيرة .. ومع ذلك تسلح الهلال بعامل الثقة والتفاؤل .. بل وإعلان التحدي .. وهذا ما يميز الهلال عن غيره .. بأنه فريق متحرر غير مقيد بعقدة (نجم الشباك) .. وببساطة أكثر فإن المقولة الشهيرة للأمير الراحل عبد الرحمن بن سعود (النصر بمن حضر) هي في الواقع وعبر الميدان تنطبق على الهلال أكثر من النصر .. والتاريخ يشهد بذلك بأن الهلال ليس أسيرا لنجم بعينه .. ولا للاعب يمثل (الكل وهو جزء) .. ففي الهلال المبدأ والقاعدة تسير على أن الجميع (عود في حزمة) .. والجزء مهما علا صيته , لا يمكن أن يحل مكان (الكل) ..!!
يتطلب النظر إلى فلسفة الهلال بعمق واستبصار .. لأنها خارطة طريق للألقاب .. وأكاديمية تعطي دروسا بالمجان لمن أراد أن ينظر إلى الكبار من زوايا متعددة .. وبانفتاح لا يغلق بحدود الألوان .. والعقد النفسية ..!!
ومع ذلك على الهلاليين أن يدركوا أن هناك محددات سالبة في عمق تفوقهم العددي الجماهيري .. فالكثافة التي شارفت على الـ60 ألف مشجع أزرق في نزال الغرافة مساء أمس .. لم تكن فعالة .. فالمؤازرة محدودة في أغلب دقائق المباراة .. والتفاعل كان محصورا في لغة الأهداف أو الفرص الضائعة ..!!
تلك هي معضلة الموج الأزرق التي لم تجد لها طريقا للحل حتى الساعة .. رغم تسليمنا بأنها الأكثر شعبية ليس على المستوى المحلي السعودي فقط .. بل حتى على المستوى الخليجي .. !!
** أعتقد انه حان الوقت لمحبي الأزرق للقيام بانتفاضة حقيقية .. تزيل غبار الكثرة غير الفعالة في المدرجات .. بشعار جديد يختاره مسيرو هذا النادي الجماهيري ..!!
بصراحة أكثر .. عجزت عن إحراز نتيجة ما لهذه المعادلة (الأكثر كثافة .. والأقل فعالية) بالنسبة لجماهير الهلال .. وكلما أوشكت على الانتهاء من حسم الجدلية التي وضعتها في مخيلتي أتراجع عندما ينتفض جمهور الهلال لثوان أو لدقائق معدودة في المدرجات .. وأعود للمربع الأول .. وأتساءل بعمق .. إنه جمهور مؤثر حتى لو صمت .. وثائر لو تكلم !!
انتابني هذا الإحساس عندما انتفض هذا الجمهور الأزرق بعد الهدف الثاني في مرمى الضيوف (الغرافة القطري) .. فقد خيل لنا ان الموج الأزرق الذي لا يتواجد جغرافيا في العاصمة الرياض .. هب من مياه الخليج بالساحل الشرقي .. ومن البحر الأحمر بالساحل الغربي وتواجد بمدرجات استاد الملك فهد الدولي بالرياض مساء أمس ..!!
لقد ارتبط اسم الهلال بالأشياء الكبيرة التي تغرد دائما في عالم الفرح .. وكل التحولات التاريخية في هذا النادي .. كانت تصب في قناة التطور محليا وخليجيا وعربيا وآسيويا حتى تمكن من الحصول على لقب نادي القرن في آسيا وفقا لعدد بطولاته وإنجازاته على مستوى أكبر قارات العالم ..!!
بوسعنا استكشاف الهلال كناد يحمل مواصفات عالمية .. كونه النادي المؤسساتي الوحيد في الخليج الذي تركض خلفه الشركات الكبرى لرعايته .. ولعل المبلغ الذي يسيل له اللعاب الذي يتقاضاه من «موبايلي» دلالة واضحة على شعبية وقاعدة هذا النادي الجماهيرية .. !!
مر زمن طويل لم نر الهلال بالثوب الذي لبسه مساء أمس .. فقد عايد جماهيره بأحلى عيدية .. والثلاثية صك عبور للدور القادم آسيويا .. إلا إذا تفوق الغرافة على الإبداع نفسه في دوحة الخير ..!!